ملفات دعوية مختصرة

وقفات حول الإجازة الصيفية

وقفات حول الإجازة الصيفية

الحمد لله ، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وبعد

 

فقد أرخى ليلُ العام الدراسي سُدُولَههذه الأيام، وتَنَفَّسَ صُبْحُ الإجازة الصيفية التي أطلت برأسها، وبدأ موسم جديد يتكرر كل عام، ولابد لنا أمام هذه الإجازة من وقفات فيها تذكرةٌ وتبصرة:

الوقفة الأولى: مفهوم الإجازة

إن مفهوم الإجازة أن يأخذ الإنسانُ فترةَ راحة بعد عمل وجهد بذله في العمل أوالدراسة ليجدد نشاطه ويعود إلى سابق عهده بحماس وإقبال، أما النظرةُ الشمولية للمسلم فهو ينظر إلى الحياة على أنها ميدانٌ للعمل الذي خلق من أجله؛ وهو عبادةُ الله {وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون}[الذاريات:56 ],ولذا فليس هناك إجازةٌ عن هذا العمل، بل هو يغتنمُ عُمُرَه القصير بالعمل {واعبد ربك حتى يأتيك اليقين}[الحجر:99 ].

وماهي الأعمار؟

هل الأعمارُ إلا أعوام؟ وهل الأعوامُ إلا أيام؟ وهل الأيامُ إلا ساعاتٍ؟ وهل الساعاتُ إلا أنفاسٌ معدودة؟.

فإذا حصل للعبد فراغٌ فليغتنمه في الخير، كما أوصى اللهُ نبيه -صلى الله عليه وسلم- بقوله: {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ * وَإِلَى رَبِّكَ فَارْغَبْ}[الشرح:8 ], أي: إذا فَرغت من أمور الدنيا وأشغالها وقطعت علائقها، فانصب في العبادة، وقم إليها نشيطا فارغ البال، وأخلص لربك النية والرغبة.

عن أبي هريرة –رضي الله عنه- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (يقول الله تعالى: ابن آدم تفرغْ لعبادتي أملأ صدرَك غنى، وأسُدَّ فقرَك، وإلا تفعل ملأتُ صدرَك شغلا، ولم أسدَّ فقرَك)([1]).

الفراغ في الإسلام نعمةٌ وأي نعمة:

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: (نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس: الصحة والفراغ)([2]).

وَمَعنى كَونِ كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ مَغبُونِينَ في هَاتَينِ النِّعمَتَينِ أَنهم لا يُحسِنُونَ استِعمَالَهُمَا فِيمَا يَنبَغِي، وَلا يَشكُرُونَ اللهَ جل وعلا عَلَيهِمَا الشُّكرَ الوَاجِبَ، ذَلِكَ أَنَّ الإِنسَانَ قَد يَكُونُ صَحِيحًا وَلَكِنَّهُ مَشغُولٌ، وَقَد يَكُونُ فَارِغًا لَكِنَّهُ مَرِيضٌ، وَأَمَّا إِذَا اجتَمَعَ الأمران: الصِّحَّةُ وَالفَرَاغُ؛ فَقَد جمع نِعمَتَينِ مِن أَجَلِّ النِّعَمِ التي يَستَعِينُ بها العَبدُ على العَمَلِ لآخِرَتِهِ وَالتَّقَرُّبِ لِرَبِّهِ، وفي تفويت هاتين الفرصتين غبنٌ عظيم، لأَنَّ الفَرَاغَ يَعقُبُهُ الشُّغلُ، وَالصِّحَّةُ يَعقُبُهَا السَّقَمَ أُوِ الهَرَمُ.

وفي قوله -صلى الله عليه وسلم-: “كثير من الناس” إشارة إلى أن الذي يوفَّق للانتفاع بالصحة والفراغ قليل، وأن غالبَ الناس في خسارة من اغتنام هذه الصحّةِ والفراغِ في الخير.

قال عبد الله بن مسعود –رضي الله عنه-: (ما ندمت على شيء ندمي على يوم غربت شمسه، نقص فيه أجلي ولم يزد فيه عملي)([3]).

وقال حكيم: (من أمضى يومًا من عمره في غير حقٍّ قضاه، أو فرضٍ أدَّاه، أو مجدٍ أثَّلَه، أو حمدٍ حصَّلَه، أو خيرٍ أسَّسَه، أو علمٍ اقتَبَسَه؛ فقد عقَّ يومَه وظلمَ نفسَه)([4]).

لقد هاج الفراغ عليك شغلا *** وأسباب البلاء من الفراغ

وقال الحسن – رحمه الله -: (أدركت أقوامًا كانوا على أوقاتهم أشدَّ منكم حرصًا على دراهمكم ودنانيركم)([5]).

ونُقِل عن عامر بن عبد قيس- رحمه الله,أحد التابعين الصالحين–أن رجلاً قال له كلمني، فقال له: “أمسك الشمس”([6])، يشير إلى أن الزمن يمشي، ولا يمكن أن يضيعه بمثل هذا.

أَلَيسَ مِنَ الخُسرَانِ أَنَّ لَيَالِيًا *** تَمُرُّ بِلا نَفعٍ وَتُحسَبُ مِن عُمرِي

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لرجل وهو يعظه:(اغتنم خمسا قبل خمس: شبابك قبل هرمك، وصحتك قبل سقمك، وغناك قبل فقرك، وفراغك قبل شغلك، وحياتك قبل موتك)([7]).

وعن ابن مسعودtعن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: (لا تزول قدما ابن آدم يوم القيامة حتى يسأل عن خمس: عن عمره فيما أفناه، وعن شبابه فيما أبلاه، وعن ماله من أين اكتسبه، وفيما أنفقه، وماذا عمل فيما علم ؟ )([8]).

وعن أبي بكرة –رضي الله عنه- أن رجلا قال:(يا رسول الله؛ أي الناس خير؟ قال:”من طال عمره وحسن عمله”، قال: فأي الناس شر؟ قال:”من طال عمره وساء عمله” )([9]).

إنها نصوص تحرك القلوب، وتهز المشاعر، وتوقد العزائم للعمل والجد، واغتنام الدقائق قبل الساعات.

قال ابن القيم رحمه الله:

(السَّنة شجرة، والشهور فروعها، والأيام أغصانها، والساعاتُ أوراقها، والأنفاسُ ثمارها، فمن كانت أنفاسُه في طاعة فثمرةُ شجرتِه طيبةٌ، ومن كانت في معصية فثمرته حنظل، وإنما يكون الجذاذُ يومَ المعاد، فعند الجذاذ يَتبين حُلو الثمار من مُرِّها)([10]).

 

الوقفة الثانية: حرارة الصيف

الصيف وحره ولهيبه يذكرنا بحر النار ولهيبها، كان عمر –رضي الله عنه- يقول: (أكثروا ذكر النار فإن حرها شديد، وإن قعرها بعيد، وإن مقامعها حديد)([11]).

وهجُ الشمس الذي يصلانا هذه الأيامَ مع بعدها عن الأرض، كيف يكون حينما تدنو قدر ميل؟

عن المقداد بن الأسود –رضي الله عنه- قال: (سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول:”تدنو الشمس يوم القيامة من الخلق حتى تكون منهم كمقدار ميل، قال: فيكون الناس على قدر أعمالهم في العرق، فمنهم من يكون إلى كعبيه ومنهم من يكون إلى ركبتيه، ومنهم من يكون إلى حقويه، ومنهم من يلجمه العرق إلجاما، وأشار رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بيده إلى فيه”، قال سليم بن عامر: والله ما أدري ما يعني بالميل مسافة الأرض، أو الميل التي تكحل به العين)([12]).

رأى

عمر بن عبد العزيز – رحمه الله

– قوما في جنازة قد هربوا من الشمس إلى الظل، وتوقوا الغبار، فبكى ثم أنشد:

من كان حين تصيبُ الشمسُ جبهتَه ***أو الغبارُ يخاف الشينَوالشعثا

ويألفُ الظلَّ كي تبقى بشاشته ***فسوف يسكنُ يوماً راغماً جدثا

في ظل مقفرةٍ غبراءَ مظلمةٍ*** يطيلُ تحت الثرى في غمِّها اللبثا

تجهزي بجهازٍ تبلغين به *** يانفسُ قبل الردى لم تُخلقي عبثا([13])

 

كما نُذكِّر في هذه الأيام الذين يسهرون الليل لقصره في الصيف أن يغتنموا آخره، فإنه وقت شريفٌ مبارك، فالثلثُ الأخير من الليل وقتُ نزولِ الرحمات، واستجابة الدعوات، ذلك لأنه وقتٌ ينزل اللهُ العلي نزولاً يليق بجلاله وعظمته، وذلك كلَّ ليلة، فينادي عباده وهو الغني عنهم: هل من مستغفر فأغفرَ له، هل من تائب فأتوبَ عليه، هل من سائل فأعطيه سؤله.فينبغي أن يتذكر الساهر في الليل، ويتنبه إلى فضيلة هذا الوقت المبارك، ولا يحرم نفسه من بركة هذا الوقت.

 

الوقفة الثالثة: السفر والسياحة

السفر وما أدراك ما السفر؟ عادة ارتبطت بالإجازة الصيفية، والأصل في السفر الإباحة، وفيه فوائد كثيرة ذكرها الأدباء والمربون، لكن ثمة سؤالان مهمان قبل أن تسافر: أين ولماذا؟.

إن مقاصد الناس في السفر متنوعة، ومنها:

1. السفر للطاعة، كالدعوة إلى الله، وطلب العلم، والحج والعمرة، وصلة الرحم، ونحو ذلك، فسفره عبادةٌ يثاب عليها.

2. السفر لقصد المحرم، كمن يسافر وقصده شربُ الخمور أوالتمتعُ بالنساء البغايا، وهذا لا شك في تحريمه، وليتق اللهَ العبدُ أن يغتر بإمهال الله له.

3. السفر لقصد السياحةِ والنزهة فهذا إن كان إلى بلاد تظهرُ فيها المنكرات من العري والتفسخِ والخمور وغيرها، كحال كثير من الدول السياحية ولو كان بعضُها إسلامية فهذه لا ينصح بالسفر إليها لأمور:

أ. التعرض للفتنة بالنظر إلى مشاهد فاضحة، ومناظر مخزية، والمسلم مطالب بالبعد عن مواضع الفتن، لا أن يزج بنفسه فيها، وقد أمر الله المؤمنين والمؤمنات بغض البصر {قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ}[النور:30 ]، وأخبر ربنا أن العبد مسؤول عن بصره {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا}[الإسراء:36]، فمن علم أن أمامه سؤال وحساب؛ خاف مقام ربه، ونهى النفس عن الهوى.

قال ابن القيم – رحمه الله -: (أما علامات تعظيم المناهي فالحرص على التباعد من مظانها وأسبابها وما يدعو إليها ومجانبة كل وسيلة تقرب منها كمن يهرب من الأماكن التي فيها الصور التي تقع بها الفتنة خشية الافتتان بها…)([14]).

 

ب. ما يتضمنه هذا السفر من إهمالٍ لتربية الأولاد حينما يرون هذه المناظر، وإني لأعجب من البعض – هداهم الله – يصطحب أبناءه وبناتِه ليفتحوا أعينهم البريئةَ الطاهرةَ على مناظرَ مخزية، ومشاهد فاضحةيرونها على الشواطئ وفي الأسواق والمتنزهات.

ج. أن غالب هذه الأسفار تتطلب صرف أموالٍ طائلة ، وربما كانت عن طريق القروض، ثم تصرف في أمور غالبُها لا فائدة منه بل ربما كانت في محرم، وهذه الأموال المهاجرة تؤثر على اقتصاد البلد وتدعم اقتصاد بلاد الكفر. وذكرت بعض الدراسات أن السعوديين أنفقوا في إحدى السنوات ما يقارب 16 مليار ريال على السياحة الخارجية.

د. من آثار السفر للخارج: استساغةُ المنكر والفجور، وهذا مشاهدٌ فيمن يكثر السفر إلى الخارج، فتجده يتأثر بما يرى وخاصة ما يتعلق بحجاب المرأة وسترها، وكما قيل: كثرة المساس تذهب الإحساس.

قال ابن النحاس – رحمه الله -: (تنبيه: قد تقوم كثرة رؤية المنكرات مقام ارتكابها في سلب القلب نور التمييز والإنكار؛ لأن المنكرات إذا كثر على القلب ورودها، وتكرر في العين شهودها، ذهبت عظمتها من القلوب شيئا فشيئًا، إلى أن يراها الإنسان فلا تخطر بباله أنها منكرات، ولا يميز بفكره أنها معاصي؛ لما أحدث تكرارها من تألف القلب لها)([15]). ثم ذكر حكاية عجيبة في هذا.

إضافة إلى أنه يكون عرضة للوقوع في الفتن ولو لم يسافر لها، فإن البغايا يطرقن بابه ويغرينه بجمالهن وتكشفهن ومعسول كلامهن، والنساء أشد الفتن على الرجال، فالفتنة عظيمة، والنفس ضعيفة، والسلامة لا يعدلها شيء.

وربما وقع في ابتزاز الأشرار فكم من رجل سلبت أمواله في الخارج، وربما وقع في شَرَك الخمور والمخدرات لكثرتها وانتشارها وسهولة الحصول عليها، وقد أشارت بعض الدراسات أن 22% من مدمني المخدرات تعاطوها للمرة الأولى في الخارج.

 

أيها الإخوة..

أما إن كان سفر النزهة والسياحة إلى بلد لا تظهر فيها المنكرات فلا بأس به، بل هو حسن لما له من آثار طيبة في تجديد النشاط، والترويح عن النفس، وزيادة روابط الحب والانسجام بين أفراد العائلة، وإدخال السرور عليهم، وحسن العشرة للزوجة، وبلادنا ولله الحمد تزخر بأماكن جميلة وأجواء لطيفة في عدة جهات.

جاء بسند صحيح عن المعرور بن سويد قال: (كتب عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- إلى أمراء الأمصار أن مروا الناسفي أيام الربيع بالخروج إلى الصحراء لينظروا إلى النور؛ إلى آثار رحمة الله).

وقال علي –رضي الله عنه-: (أجمُّوا هذه القلوب والتمسوا لها طرائف الحكمة، فإنها تمل كما تمل الأبدان)([16]), وهذا كله مع التزام الضوابط الشرعية العامة.

إن المسلم حين يخرج مسافرا يبدأ بدعاء السفر الذي نحفظه جميعا، وفيه: (اللهم إنا نسألك في سفرنا هذا البر والتقوى, ومن العمل ما ترضى…)([17])، فهذه لفتةٌ ووقفةٌ لكل مسافر أن ينظر في سفره هل هو من البر والتقوى؟, وهل فيه من العمل ما يرضي الله؟.

أيّها المسافرون، تذكروا أنّ النار حفَّت بالشهوات، وأن الجنة حفت بالمكاره.

 

الوقفة الرابعة: مقترحات في الإجازة

من المهم أن يستعد المرء للإجازة بخطة يرسم فيها ما يريد تحقيقه، وتكون متوازنة بين الاستغلال الأمثل، والمثالية، والناس يختلفون في هذا بحسب أجناسهم وأعمارهم وتوجهاتهم وإمكاناتهم وغير ذلك، لكن لعلي أطرح بعض النصائح العامة التي يشترك فيها كثير من الناس:

1) اجعل لك أيها المسلم حظا من حفظ القرآن يكون معك أنيسا عند الكبر وضعف البصر، وزادا في السفر وأوقات الجلوس والانتظار.

وهذه الوصية نوجهها أصالة للشباب، وكذا للكبار أبناء الأربعين والخمسين والستين فلا مانع أن يسعى الرجل ويجتهد في حفظ شيء من القرآن ولو قل بحسب استطاعته.

{إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَأَنْفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرًّا وَعَلانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَنْ تَبُورَ * لِيُوَفِّيَهُمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّهُ غَفُورٌ شَكُور}[فاطر:30],قال قتادة– رحمه الله – : (كان مُطَرف، رحمه الله، إذا قرأ هذه الآية يقول: هذه آية القراء)([18]), أي: الذين يقرؤون القرآن).

2) الاستفادة بطلب العلم،وحضور ما تيسر من الدورات المنتشرة في المساجد.

وما أحسن أن يشجع الآباء أبناءهم على ذلك.

قال إبراهيم بن أدهَم – رحمه الله -: قال لي أبي: (يا بنيَّ، اطلب الحديث، فكلما سمعتَ حديثا وحفظتَه فلك دِرهم، قال: فطلبتُ الحديث على هذا)([19]).

3) القراءة التي تغذي العقل والقلب، وتزيد في العلم والمعرفة.

وحسنٌ بالأب أن يجلب للبيت بعض الكتب النافعة في السيرة والآداب والقصص المفيدة ونحوها، أو المجلات الهادفة، ويشجعَ الأبناءَ على القراءة، ويكونَ قدوةً لهم في ذلك.

4) نحث الشباب على اكتساب المهارات النافعة في الإجازة، فلا تذهب الأيام والليالي في نوم ولعب، بل احرص– أيها الشاب – على الالتحاق بالنوادي الصيفية المفيدة، أو بدورات تفيدك في حياتك, سواء في مجال الحاسب الآلي أو تحسين الخط أو تعلم صنعة من الصناعات، أو حرفة من الحرف.

ومن المناسب أيضا أن يسعى الشاب في طلب الرزق بالتجارة، أوالعمل في شركة أو مصنع؛فإن في العمل فوائدَ منها: قضاء الوقت بالمفيد، واكتساب الخبرات والمهارات العملية، وتحسين الوضع المادي بتحصيل مبلغ من المال يفيد الشاب في حياته.

ولله دَرُّ الفاروق عمر –رضي الله عنه- كان يرى الرجل فيعجبه فيسأل: هل له من حِرْفَة؟ فيُقال: لا، فيسقط من عينيه.

وقال ابن مسعود –رضي الله عنه-: (إني لأكره أن يكون الرجل بطالاً ليس في عمل دنيا ، ولا في عمل آخرة)([20]).

وروي عن عمر –رضي الله عنه- أنه قال: ( إني لأكره لأحدكم أن يكون خاليا سبهللا، لا في عمل دنيا ولا دين )([21]).

 

أيها الإخوة والأخوات ..

إن كثيرا من شبابنا عقدوا العزم من مطلع إجازة الصيفعلى سهر في الليل بين القنوات والأنترنت،والجامع بينهما قتلُ الأيام وجلب الآثام، ثم نومٌ بعد طلوع الشمس إلى آخر العصر، يقوم أحدهم وهو هزيلُ القوى، ثقيل الخطى، خبيثُ النفس كسلان.

وربما تعرف على أصدقاءِ السوء الذين يزينون له السوء، فيتبعهم بسبب الفراغ الكبير الذي يعيشه، وقد أكدت دراسات لبعض التربويين على أنّ الانحراف السلوكي للطفل تكون بداياته في مثل هذه الإجازات الطويلة التي يكثر فيها الفراغ، ويكثر الاختلاط بأصدقاء السوء.

والأب لا يحرك ساكنا، لا .. بل يوفر ما يريده من هذه الأجهزة. وحال بعض الفتيات لا يختلف كثيرا عن هذا.

وتمضي الإجازة ولم يحققوا شيئا سوى ضياع الأوقات واكتساب السيئات.

أيها الآباء والأمهات: اتقوا الله في أبنائكم، فكلكم راعٍ ومسؤول عن رعيته.

اللهم وفقنا لاغتنام الأوقات، وتدارك الساعات قبل الوفاة، وأقر اعيننا بصلاح أولادنا .. آمين.

 

 

 

([1]) رواه الترمذي: (2466), وابن ماجة: (4107), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (1914).

([2]) رواه البخاري: (6412).

([3]) موسوعة الأخلاق والزهد والرقائق: (2/ 323).

([4]) فيض القدير: (6/ 288).

([5]) شرح السنة (14/ 255).

([6]) صيد الخاطر: (ص 34).

([7]) رواه الحاكم في المستدرك: (7846), والبيهقي في الشعب: (9767), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (1077).

([8]) رواه الترمذي: (2417), وحسنه الألباني في الصحيحة: (946).

([9]) رواه الترمذي: (2330), وأحمد: (20415), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3297). وجاء عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ بُسْرٍ، أَنَّ أَعْرَابِيًّا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ خَيْرُ النَّاسِ؟ قَالَ: «مَنْ طَالَ عُمُرُهُ، وَحَسُنَ عَمَلُهُ» رواه الترمذي: (2329), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3296).

([10]) الفوائد: (ص 164).

([11]) رواه الترمذي: (2575), وصححه الألباني في صحيح الترمذي.

([12]) رواه مسلم: (2864).

([13]) البداية والنهاية: (9/ 205).

([14]) الوابل الصيب: (ص 24).

([15]) تنبيه الغافلين: (ص105).

([16]) جامع بيان العلم وفضله: (659).

([17]) رواه مسلم: (1342) عن ابن عمر رضي الله عنهما.

([18]) تفسير الطبري: (30/ 464).

([19]) شرف أصحاب الحديث, للخطيب: (ص66).

([20]) كنز العمال: (8844). ولفظه: (إني لأكره أن أرى الرجل فارغا ليس في عمل دنيا ولا آخرة).

([21]) أضواء البيان: (8/ 579), عند تفسير قوله تعالى: (فإذا فرغت فانصب).

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى