ملفات دعوية مختصرة

التذكار في أعياد الكفار

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه وبعد

فإن الله تعالى شرع لعباده دينا قويما، وهداهم صراطا مستقيما، ورضي لهم الإسلامَ دينا، {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} [آل عمران: 85]، فكل دينٍ سوى الإسلامِ باطلٌ بعد بعثة محمد صلى الله عليه وسلم، فدينُ اليهوديةِ كان حقا زمن موسى عليه السلام، ودين النصرانية كان حقا زمن عيسى عليه السلام، لكن لما بزغت شمسُ الإسلام نسخت كلَّ ما عداها من الأديان، {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ} [المائدة: 48].

وكما لا يُقبل من المسلم دينٌ غير الإسلام، فكذا لا يقبل منه شعائرُ تلك الأديان التي تميزها، لأجل أن يبقى المسلمُ عزيزا بدينه، متميزا بعقيدته، نائيا عن كل ما يخالفه في شعائره وشرائعه وشعاراته. ولذا شرع لكل مسلم في كل ركعة أن يسأل اللهَ الهدايةَ للصراط المستقيم، والبعدَ عن طريق الكافرين من المغضوب عليهم والضالين.

ومن أجلى شعائرِ كل دين: أعيادُه التي تخصه وتميزه وتظهرُ ولاءَ أصحابِه له، وكل حضارة ودين لا يخلو من أعياد مقدسة عند أتباعه.

قال ابن تيمية في (اقتضاء الصراط المستقيم) 1/ 208: “الأعياد هي من أخص ما تتميز به بين الشرائع، ومن أظهر ما لها من الشعائر، فالموافقة فيها موافقة في أخص شرائع الكفر وأظهر شعائره”.

فما هو المنهج الشرعي تجاه أعياد الأديان الأخرى؟ وما حكم الاحتفال أو المشاركة أو التهنئة بها؟.

لقد كنا إلى وقت قريب في غنية عن طرق الموضوع وطرحه، لكن استجدت أمور في المجتمع أوجبت أن يجلى الأمر، ويبين للناس جادةُ الحق والصواب، ومن تلك الأمور:

1. كثرة السفر والمخالطة لأهل الكفر في بلادهم لغرض السياحة أو الدراسة أو غيرهما، فيرى المقيم عندهم ما هم عليه من تقدم تقني فينبهر به، وينعكس ذلك على الإعجاب بهم في كل أمورهم، ومن ذلك أعيادُهم التي يحتفلون بها.

ويزداد الأمر خطورة حينما يجتمع ضعف العلم الشرعي مع حداثة السن، كما هو الحال في الآلاف من شبابنا الذين رحلوا للدراسة هناك وخالطوهم في بيوتهم وعاداتهم وأعيادهم!.

2. ضعفُ الهوية عند بعض المسلمين، والهزيمةُ النفسية، والتأثرُ بغير المسلمين.

نعم .. إن من الأخطار والمآزق التي تواجه المسلمين في هذا العصر: ضعفَ الانتماء والولاء للدين وشعائره، والتبعيةَ والانبهارَ بالحضارة الغربية، والدعوةَ إلى الانفتاح المطلق مع الآخر ولو كان على حساب المبادئ والثوابت الدينية.

3. الانفتاح الإعلامي الرهيب عبر القنوات الفضائية والأنترنت، فصار المسلم في بلده يطالع ويتابع برامج الغرب وأفلامه، ويتعرف على خصائصه وعاداته، ومنها: الأعياد والمناسبات الدينية، حيث تنقل على الهواء مباشرة بتفاصيلها.

4. ظهورُ بوادر التأثر من بعض المسلمين هنا لاسيما الشباب، حيث صار البعض يشارك أو يهنئ، وربما أقام حفلة بمناسبة هذا العيد وزين المكان بالبالونات والورود، ومما وقع فيه بعض الشباب السفرُ إلى الخارج لحضور هذه الاحتفالات والمشاركة فيها.

وأمام هذه الأمور وغيرها كان لا بد من البيان والتوضيح، والتحذير والتصحيح، لا سيما ونحن نترقب عيدين من أهم أعيادهم، وهما: عيد ميلاد المسيح الذي يسمونه (الكريسمس)، وعيد رأس السنة الميلادية.

ولعلي أقف معكم أيها الإخوة – حول هذا الموضوع – الوقفات الآتية:

الوقفة الأولى: ما المراد بالعيد؟

العيد نوعان زمانيٌ ومكاني، فالزماني: اسم لما يعود ويتكرر على وجه معتاد كل سنة أو شهر أو أسبوع أو قرن، كعيد الفطر كل عام، ويوم الجمعة عيد الأسبوع.

والعيد المكاني: المكان الذي يقصد الاجتماع فيه والتردد عليه، ومن ذلك قوله صلى الله عليه وسلم: (لا تجعلوا بيوتكم قبورا، ولا تجعلوا قبري عيدا) [رواه أبو داود وصححه الألباني] ،والمعنى: لا تجعلوه مجمعا يخص بالزيارة والاجتماع في مناسبات معينة.

ومن أظهر سمات العيد في الشريعة والعرف: أنه يعود ويتكرر في زمن محدد، ويكون فيه الاجتماع، وتُظهر فيه أعمال تميزه؛ كالتهاني واللعب وبعض أنواع المآكل والمشارب.

وقد جاءت الشريعة الإسلامية بأعياد زمانية ثلاثة، هي يوم الفطر ويوم الأضحى يتكرران كل عام، ويوم الجمعة عيد الأسبوع، كما قال صلى الله عليه وسلم في جمعة من الجمع: (إن هذا يوم جعله الله عيدا للمسلمين) [رواه ابن ماجه وصححه الألباني]

وفي الشريعة أعياد مكانية يشرع قصدها بالاجتماع كالمسجد الحرام ومنى ومزدلفة وعرفة وغيرها مما جاءت مشروعيته.

 

الوقفة الثانية: التعريف ببعض أعياد الكفار

والتعريف هنا ليس لأجل الدعاية، ولكنه لغرض التنبيه والتحذير أن يقع فيها المسلم، كما قال حذيفة بن اليمان رضي الله عنه: كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير، وكنت أسأل عن الشر مخافة أن يدركني. [متفق عليه]

وتلك الأعياد متنوعة باختلاف ملل الكفر:

– فمن أعياد الفراعنة: عيد شم النسيم وهو تقديس بعض الأيام تزلفا لمن كانوا يعبدون من دون الله تعالى، ويقع فيه فجور ومخازي وأوهام.

– ومن أعياد الرومان: عيد الحب يحتفلون به في الرابع عشر من فبراير كل عام، وأصله عيد وثني ثم نصراني، تلقفه بعض المسلمين فقلدوهم وصاروا يحيون شعاره بشعارات الحب من الورود والقلوب الحمراء.

– ومن أعياد اليهود: عيد الفصح ويسمى الفطير، في الخامس عشر من شهر نيسان.

– ومن أعياد النصارى: عيد ميلاد المسيح عيسى عليه السلام ويسمى الكريسمس في 25 ديسمبر، وعيد رأس السنة الميلادية، وله شأن عظيم عندهم لاسيما عند منتصف الليل، ويخالطه فجور وخمور.

– ومن أعيادهم: عيد الشكر، ويحتفلون به آخر شهر نوفمبر، ويتميز بإعداد الديك الرومي وتقديمه فيه.

– ومن أعياد اليونان: عيد الأولمبياد الذي يعقد كل أربع سنوات، وهو نسبة إلى مكان يسمى (أولمبيا) في اليونان عبارةٌ عن مركز عبادتهم ومستودع تماثيلهم المقدسة، وكانوا يجتمعون أسبوعا يقدمون فيه الصلاة والقرابين لآلهتهم، وكان من طقوسهم فيه إشعالُ شعلة من النار، وكانت تمثل شيئا مقدسا وترمز إلى الطهارة والنقاء عندهم. ولا تزال هذه المناسبة يحتفل بها العالم كله في مناسبة رياضية لا وثنية، لكن مع الإبقاء على أصولها كالتسمية والزمن والشعلة ونحو ذلك.

وثمة أعيادٌ أحدثها أهل البدع في الإسلام، كما أحدث الرافضة الاحتفال بيوم عاشوراء كل عام وجعلوه مأتما، وأحدث غيرهم أعيادا أخرى كالاحتفال بعيد مولد الرسول صلى الله عليه وسلم، والاحتفال بليلة الإسراء والمعراج، وليلة العام الهجري الجديد وغير ذلك من المحدثات.

 

الوقفة الثالثة: حكم الاحتفال والمشاركة في أعياد الكفار

اعلم أيها المسلم أنه لا يجوز لك الاحتفال والمشاركة في أعياد الكفار باتفاق أهل العلم – كما نقله ابن القيم -، والأدلة على ذلك:

1. قال تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَشْهَدُونَ الزُّورَ وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا} [الفرقان: 72]، قال أبو العالية، وطاووس، ومحمد ابن سيرين، والضحاك، والربيع بن أنس، وغيرهم: هي أعياد المشركين. (ينظر: تفسير ابن كثير 6/130)

2. أن الشريعة حرمت التشبه بالكفار فيما هو من خصائصهم، كما قال صلى الله عليه وسلم: (من تشبه بقوم فهو منهم) [رواه أحمد وأبو داود وصححه الألباني]. وبالغ صلى الله عليه وسلم في التحذير من ذلك، فقال: (لتتبعن سنن من قبلكم شبرا بشبر وذراعا بذراع حتى لو دخلوا جحر ضب تبعتموهم) قيل: يا رسول الله اليهود والنصارى؟ قال: (فمن؟!) [متفق عليه.]

وأكد مبدأ مخالفتهم في الأمور الظاهرة، فقال عليه الصلاة والسلام: (خالفوا المشركين) [متفق عليه]، وقال صلى الله عليه وسلم: (خالفوا المجوس) [رواه مسلم]، وقال صلى الله عليه وسلم: (خالفوا اليهود)، وقال عليه الصلاة والسلام: (خالفوا أهل الكتاب).

وكلها أحاديث صحيحة تقرر هذا الأصل وهو مخالفة الكفار.

قال شيخ الإسلام رحمه الله: “قد بالغ صلى الله عليه وسلم في أمر أمته بمخالفتهم في كثير من المباحات وصفات الطاعات لئلا يكون ذلك ذريعة إلى موافقتهم في غير ذلك من أمورهم، ولتكون المخالفة في ذلك حاجزاً ومانعاً عن سائر أمورهم، فإنه كلما كثرت المخالفة بينك وبين أصحاب الجحيم كان أبعد عن أعمال أهل الجحيم”. (اقتضاء الصراط المستقيم ص193)

وقال أيضا: “المشابهة والمشاكلة في الأمور الظاهرة توجب مشابهة ومشاكلة في الأمور الباطنة”. (اقتضاء الصراط المستقيم ص220)

3. عن أنس رضي الله عنه قال: قدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: ما هذان اليومان؟ قالوا: كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (قد أبدلكم الله بهما خيرا منهما: يوم الأضحى ويوم الفطر) [رواه أبو داود وصححه الألباني].

فقوله صلى الله عليه وسلم: (إن الله قد أبدلكم بهما خيراً منهما) يقتضي ترك الجمع بينهما، لأن الإبدال من الشيء يقتضي ترك المبدل منه؛ إذ لا يجمع بين البدل والمبدل منه، كما قال تعالى: {وَآتُوا الْيَتَامَى أَمْوَالَهُمْ وَلا تَتَبَدَّلُوا الْخَبِيثَ بِالطَّيِّبِ} يعني لا تجعلوا هذا بدل هذا، فتأخذوا الجيِّد من أموالهم، وتجعلوا مكانه الرديء من أموالكم. وهكذا هنا قد جعل الله لكم بديلا عن أعياد الجاهلية ما هو خير وهو عيدا الفطر والأضحى.

4. آثار السلف، ومن ذلك على سبيل المثال:

أ‌. عن عمر بن الخطاب رضي الله عته قال: اجتنبوا أعداء الله في أعيادهم. (أخرجه البيهقي 9/ 234)

ب‌. عن عمر رضي الله عنه أيضا أنه قال: “لا تدخلوا على المشركين في كنائسهم يوم عيدهم فإن السخطة تنزل عليهم” (أخرجه البيهقي 9/ 234، وصحح سنده ابن تيمية في المجموع 25/ 325)

ت‌. عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: من مَرَّ ببلاد الأعاجم فصنع نيروزهم ومهرجانهم وتشبه بهم حتى يموت وهو كذلك حشر معهم يوم القيامة. (أخرجه البيهقي 9/ 234، وصحح سنده ابن تيمية في الاقتضاء ص513).

5. أن المشاركة فيها نوع من مودتهم ومحبتهم، وقد قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاء تُلْقُونَ إِلَيْهِم بِالْمَوَدَّةِ وَقَدْ كَفَرُوا بِمَا جَاءكُم مِّنَ الْحَقِّ} [الممتحنة: 1]. وقال سبحانه: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة: 22].

وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال: قلت لعمر رضي الله عنه: لي كاتبٌ نصراني، قال: مالك قاتلك الله!، أما سمعت قول الله تعالى: { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُواْ الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاء بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بعض} [المائدة: 51]، ألا اتخذت حنيفاً، قلت: يا أمير المؤمنين لي كتابته وله دينه، قال: لا أكرمهم إذ أهانهم الله، ولا أعزهم إذ أذلهم الله، ولا أدنيهم إذ أقصاهم الله. (أورده ابن تيمية في الاقتضاء ص184، وقال: “روى الإمام أحمد بإسناد صحيح”).

 

الوقفة الرابعة: تهنئة الكفار بأعيادهم الدينية

تهنئة الكفار بعيد الكريسمس أو غيره من أعيادهم الدينية، عن طريق المشافهة أو البطاقات أو الرسائل؛ حرام بالاتفاق، لأن فيها إقراراً ورضى لما هم عليه من شعائر الكفر، ويحرم على المسلم أن يرضى بشعائر الكفر أو يهنّئ بها غيره ، لأن الله تعالى لا يرضى بذلك كما قال الله تعالى: {إِنْ تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنْكُمْ وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ} [الزمر: 7]

قال ابن القيم: “وأما التهنئة بشعائر الكفر المختصة به فحرام بالاتفاق، مثل أن يهنئهم بأعيادهم وصومهم، فيقول: عيد مبارك عليك، أو تهْنأ بهذا العيد ونحوه ، فهذا إن سلم قائله من الكفر فهو من المحرمات وهو بمنزلة أن يهنئه بسجوده للصليب بل ذلك أعظم إثماً عند الله”. (أحكام أهل الذمة ص441)

وإذا هنؤنا بأعيادهم فإننا لا نجيبهم على ذلك لأنها ليست بأعياد لنا، ولأنها أعياد لا يرضاها الله تعالى.

ولا يجوز للمسلم إجابة دعوتهم بهذه المناسبة، لأن هذا أعظمُ من تهنئتهم بها، لما في ذلك من مشاركتهم فيها، وإقرارهم.

وكذلك يحرم على المسلمين التشبه بالكفار بإقامة الحفلات بهذه المناسبة، أو تبادل الهدايا أو توزيع الحلوى، أو أطباق الطعام، أو الإعانة على إقامتها ببيع أو إجارة أو إعارة، أو تعطيل الأعمال والدراسة فيها، أو إقامة رموز هذه الأعياد كشجرة العيد التي نافس فيها بعض المسلمين ما عند النصارى، ونحو ذلك، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من تشبّه بقوم فهو منهم).

ومن فعل شيئاً من ذلك فهو آثم سواء فعله مجاملة أو توددا أو حياء، أو لغير ذلك من الأسباب، لأنه من المداهنة في دين الله، ومن أسباب تعزيز الكفر وشعائره.

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وانصر عبادك المؤمنين، وأعذنا من الزلل والبدع في الدين .. اللهم آمين.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى