الصلاة على الكراسي .. أحكام وتنبيهات
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وآله وصحبه أما بعد
فإن الصلاة هي الركنُ الثاني من أركان الإسلام، وهي عمودُ الدين، وأولُ ما يحاسبُ عنه العبدُ يوم القيامة، شرعها الله في الملكوتِ الأعلى فوقَ سبعِ سماوات، ولها قدرٌ عظيمٌ في ملةِ الإسلام.
وهذه الصلاةُ لها أركانٌ وواجباتٌ، وشروط ومستحبات، على المسلم أن يتعلمها ويفهمها ليعبدَ الله على بصيرة وهدى.
ومن جملة أركان الصلاة: القيامُ مع القدرة، وهو ركن في صلاة الفرض، ومعنى كونه ركنا: أن من أخلَّ به مع قدرته عليه؛ فلا تصح صلاته.
· والدليل عليه: قوله تعالى: {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238].
وعن عمرانُ بن حصين رضي الله عنه قال: كانت بي بَوَاسير، فسألت رسولَ الله صلى الله عليه وسلم؟ فقال: (صلِّ قائماً، فإنْ لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنبٍ) رواه البخاري
ومن القواعد المهمة جدا: أن الصلاة لا تسقط عن المسلم ما دام عقله معه، فيسقطُ كلُّ ما يعجز عنه من الأركان والواجبات والشروط، كالطهارة والقيام وإزالة النجاسة وستر العورة، وغير ذلك، ويصلي على حسب حاله ما دام العقل باقيا، قال تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُم}، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (ما نهيتكم عنه فاجتنبوه، وما أمرتكم به فأتوا منه ما استطعتم) رواه مسلم
أيها الإخوة .. والداعي إلى الحديث عن هذا الركن خاصة من أركان الصلاة – وهي أربعة عشر ركنا – أنه طرأت في السنوات الأخيرة ظاهرةٌ ملفتة، سرعان ما انتشرت في مساجد المسلمين بصورة ملحوظة جدا، ألا وهي كثرةُ الكراسي في المساجد، وكثرة المصلين عليها.
لقد كنا قبل عشر سنوات تقريبا لا نكاد نرى في المسجد سوى كرسي أو اثنين، بل وتخلو جملةٌ من المساجد منها، أما اليوم فلو دخلت أي مسجد سيلفت نظرَك كثرتُها في جنبات المسجد.
وهذه بعض الوقفات والتنبيهات حول هذا الأمر:
الوقفة الأولى: رخصة القعود وضابطه
لا شك أن شريعةَ الإسلام جاءت باليسر ورفع الحرج، ومن القواعد المقررة: المشقةُ تجلب التيسير، ومن فروعها أنها أباحت الصلاة قاعدا في صلاة الفرض لمن شق عليه القيام، لحديث عمران رضي الله عنه السابق، ولا ينقص ثوابُه عن حال القيام لأنه معذور، وقد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا مَرِضَ الْعَبْدُ أَوْ سَافَرَ كُتِبَ لَهُ مَا كَانَ يَعْمَلُ مُقِيمًا صَحِيحًا) رواه البخاري.
ومن قدر على القيام وجبَ عليه، فإن صلى قاعدا مع قدرته على القيام لم تصح صلاته.
ولا يخل بالقيام: الانحناء اليسير، وكذا الاعتماد اليسير على عمود أو جدار ونحوهما، وضابط اليسير: أنه إن كان بحيث لو أزيل ما استند إليه سقط فهذا غير يسير، وإن كان لو أزيل لم يسقط فهذا يسير.
ومن عجز عن الانتصاب قائما، وقدر على:
1. الانحناء 2. أو القيام مع الاعتماد على عصا أو جدار لزمه ذلك، ولم ينتقل إلى الجلوس.
إذن من عجز عن الانتصاب قائما في الفرض، لكنه يقدر على القيام مع الانحناء أو الاتكاء على جدار، أو الاعتماد على عصا؛ فيلزمه ذلك، ولا يصلي قاعدا على الكرسي أو غيره.
بل قال البهوتي في (المنتهى) 1/321: “تلزمُ مكتوبةٌ المريضَ قائمًا ولو كَرَاكع، أو معتمدًا، أو مستندًا، ولو بأجرةٍ يقدرُ عليها”.
مسألة: متى تجوز صلاة الفرض قاعدا؟
ليس كلُّ مشقَّة أو عذر يسقط به الركنُ في الصلاة، فضابط هذا الأمر أن يلحقَ المصليَ عند الإتيان به مشقَّةٌ معتبرةٌ أو زيادةٌ في المرض.
قال الإمام النووي رحمه الله: “قال أصحابنا: ولا يشترط في العجز أن لا يتأتَّى القيام ولا يكفي أدنى مشقَّة، بل المعتبر: المشقَّة الظاهرة”. (المجموع 4/ 310)
وقال الشيخ العثيمين رحمه الله: “الضابط للمشقَّة: ما زال به الخشوع، والخشوع هو حضور القلب والطمأنينة، فإذا كان إذا قامَ قَلِقَ قلقاً عظيماً ولم يطمئنَّ، وتجده يتمنَّى أن يصلِ إلى آخر الفاتحةِ ليركعَ مِن شدَّةِ تحمُّلهِ، فهذا قد شَقَّ عليه القيامُ فيصلي قاعداً”. (الشرح الممتع 4/ 326)
فإن كان يجد مشقةً وصعوبة، بحيث لو صلى قائما لم يتعقل صلاتَه مما يجد؛ جاز له الجلوس.
وحينما ننظر إلى الواقع نجدُ تساهلا واضحا، ومما ينبغي أن يعلم أن مقدار الواجب من الركن: زمن تكبيرة الإحرام وقراءة الفاتحة، وهو زمن يسير أقل من نصف دقيقة!.
الوقفة الثانية: أحوال الصلاة على الكراسي
بالنظر إلى المصلين على الكراسي؛ فيمكن أن نجعلهم على أربعة أحوال:
الحال الأولى: أن يكون عاجزاً عن القيام بالكليّة مع عدم القدرة على الإتيان بالركوع والسجود على هيئتهما.
الحكم: يصلي جالساً طيلة صلاته، سواء على الأرض أو على الكرسي، لقوله صلى الله عليه وسلم: “صلِّ قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً” رواه البخاري. ويومئ بالركوع والسجود، ويجعل سجوده أخفض من ركوعه.
والسنة أن يجعل يديه على ركبتيه في حال الركوع، أما في حال السجود فالواجب أن يجعلهما على الأرض إن استطاع، فإن لم يستطع جعلهما على ركبتيه.
الحال الثانية: أن يكون قادراً على بعض القيام بلا مشقة أو تسبب في زيادة المرض.
الحكم: يصلي قائماً حسب استطاعته، فإذا شقّ عليه جلس، قال الله تعالى: {فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ}، وقال الفقهاء: لا يترك الميسور من أجل المعسور، والمعنى أن المسلم إذا قدر على بعض الواجب وعجز عن بعضه؛ فيأتي بما يقدر عليه.
ولو لم يقدر إلا على تكبيرة الإحرام؛ وجب عليه أن يأتي بها قائما، ثم يجلس، ويقلُّ في واقع الناس أن يقع العجزُ عن الإتيان بتكبيرة الإحرام قائما.
ثم يأتي بعد ذلك بالركوع على هيئته، وكذلك السجود على هيئته مع القدرة.
الحال الثالثة: أن يكون عاجزا عن القيام بالكلية، لكنه يقدر على الركوع والسجود أو أحدهما.
الحكم: يصلي جالسا، فإذا وصل إلى الركوع ركع على الصفة المعروفة، وإذا أراد السجود سجد كذلك.
الحال الرابعة: عكس السابقة، أن يكون عاجزاً عن الركوع أو السجود، قادرا على القيام، كما يقع لبعض الناس حينما يجري عملية في عينه.
فهذا يجب عليه أن يصلي قائما، ويومئ بالركوع قائما، ويومئ بالسجود بما يقدر عليه ولا يضره.
فإن قدر على الركوع دون السجود وجب عليه الركوع على صفته، ويومئ بالسجود مع جعل يديه على الأرض إن قدر على ذلك، لأنها من جملة الأعضاء السبعة.
قال ابن قدامة رحمه الله: “ومن قدر على القيام وعجز عن الركوع أو السجود؛ لم يسقط عنه القيام، ويصلي قائما فيومئ بالركوع، ثم يجلس فيومئ بالسجود”. المغني (1/ 813)
الوقفة الثالثة: الجلوس في صلاة النافلة
يجوز الجلوس في صلاة النافلة ولو كان قادرا على القيام، لكن أجره على النصف، لحديث عمران بن حصين رضي الله عنه أنه سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن صلاة الرجل قاعدا؟، فقال صلى الله عليه وسلم: (إن صلَّى قائما فهو أفضل، ومن صلى قاعدا فله نصف أجر القائم، ومن صلى نائما فله نصف أجر القاعد) رواه البخاري
الوقفة الرابعة: موقف الكرسي في الصف
لا يخلو من حالين:
1) أن يجلس على الكرسي في حال القيام
فهنا يحاذي من بجانبه بمنكبه، بحيث تكون أرجل الكرسي الخلفية بحذاء المصلين في الصف.
ولا يحاذيهم بأرجل الكرسي الأمامية.
2) إذا كان يقدر على القيام، لكنه يحتاج الكرسي عند الركوع والسجود
فهنا يقف قائما محاذيا للمصلين في الصف بالمنكب والقدم، ويكون الكرسي متأخرا عن الصف، وينبغي أن يكون في
موضع لا يتأذى به من خلفه من المصلين. | ومن الخطأ أن يحاذيهم بالكرسي، ويتقدم عليهم بمنكبه وقدمه. |
الوقفة الخامسة: السجود على شيء مرتفع
يعمد بعض الناس من الرجال أو النساء الذين لا يقدرون على السجود إلى وضع شيء مرتفع يسجدون عليه كوسادة أو مركى، وظهر هذا في بعض الكراسي التي صنعت للصلاة، وفيها ما يشبه الطاولة المنجدة للسجود.
وليس في السنة أن تضع وسادة أو شيئًا تسجد عليه، بل هذا إلى الكراهة أقرب، لأنه من التنطع والتشدد في دين الله، وعن جابر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عاد مريضًا فرآه يصلي على وسادة فأخذها فرمى بها، وقال: صلِّ على الأرض إن استطعت، وإلا فأوم إيماء واجعل سجودك أخفض من ركوعك. رواه البيهقي وصححه الألباني
جاء في (فتاوى اللجنة الدائمة) 32/ 360: “العاجز عن القيام يصلي قاعدا على الأرض أو على كرسي إن كان أرفق به ، ويركع ويسجد في الهواء ، ويجعل السجود أخفض من الركوع إذا كان لا يستطيع السجود على الأرض ، ولا يشرع له اتخاذ ماصة ووسادة يسجد عليها ..”.
الوقفة السادسة: الصلاة على مقعد الطائرة
والكلام في صلاة الفريضة، فنقول: لا يخلو الأمر من حالين:
1) أن يكون في الطائرة مكانٌ معدٌ للصلاة، فيصلي فيه كما يصلي في غيره، والحمد لله.
2) ألا يكون هناك مكانٌ معدٌ، فإن كان الوقت متسعا أو كانت الصلاة مما يجمع إلى ما بعدها كالظهر والمغرب؛ فيؤخر الصلاة إلى نزوله في المطار ليأتي بها على هيئتها. وإن كان الوقت يخرج في أثناء الرحلة؛ فعليه أن يصلي في الطائرة، ولا يجوز تأخير الصلاة حتى يخرج وقتها، وفي هذه الحال يستأذن من مضيفي الطائرة بالصلاة في مكان مناسب في آخر الطائرة أو غيره، يتمكن فيه من الركوع والسجود.
فإن لم يأذنوا أو لم يوجد مكان مناسب فإنه يتطهر ويستقبل القبلة ويصلي قائما في مكانه، ويركع وهو قائم قدر استطاعته، ويومئ للسجود وهو جالس.
تنبيه:
ينبغي مراعاة مواعيد الرحلة بجمع التقديم أو التأخير، لتكون الصلاة في الأرض قدر الإمكان، لأنه أدعى للإتيان بهيئة الصلاة على الوجه الأتم.
وأما النافلة فيصلي في الطائرة على حاله، ولا يشترط القيام ولا استقبال القبلة.
اللهم فقهنا في الدين، واشف مرضانا ومرضى المسلمين، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
السلام عليكم ورحمة الله . جزاكم الله خيرا على هذه الاستفاضة وحبذا لو تفيدونا ببعض التوجيهات والنصائح التي تخص ايتعمال الكراسي في المسجد….هل من الاحين ان تفرد بجناح خاص..مثلا …ام امه لا حرج في تفرقها بين الصفوف