خطب نصية

سلامة الصدر [1] (طهارة القلب ونقاء السريرة)

إن الحمد لله .. 

لقد بُعث النبي [صلى الله عليه وسلم] في عرب جهال، غلبت عليهم النعرات والعداوات والغارات، فجمعهم الله بدعوته وألف بين قلوبهم بعد تنافر وتناحر كما قال تعالى: }هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ{ [الأنفال: 63]، وقال
[صلى الله عليه وسلم] للأنصار: يا معشر الأنصار! ألم أجدكم ضلالا فهداكم الله بي وكنتم متفرقين فألفكم الله بي وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟ ([1]).

أتطلبون من المختار معجزة  ***  يكفيه شعب من الأجداث أحياه

فجاء النبي [صلى الله عليه وسلم] بهذه الدعوة المباركة التي من مقاصدها وأصولها: الحث على الاجتماع والتحذير من التفرق والنزاع، }واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا{ [آل عمران : 103].

ومما جاء به الإسلام أنه دينُ الطهارة والنظافة، الطهارة الحسية والمعنوية طهارة البدن من النجاسات والأقذار، وطهارة القلب من كل ما يدنسه ويكدر صفاءه.

إن البعض من الناس يعتني بنظافة بدنه وثيابه عناية فائقة ولا يتساهل بأدنى وسخ يصيب ثوبه أو بدنه، لكن قلبه وباطنه مشحون بالأوساخ والمقذرات المعنوية ولا يحرك لها ساكنا.

إن سلامة الصدر – أيها المؤمنون – تعني سلامته من كل غل وغش، وحسد وحقد، وبغضاء وشحناء، وكراهية وسوء ظن بالمسلمين.

كان النبي [صلى الله عليه وسلم] يدعو بسلامة القلب، وعلَّم بعضَ أصحابه ذلك، فقال
[صلى الله عليه وسلم]: (يا شداد بن أوسٍ، إذا رأيت الناس قد اكتنـزوا الذهب والفضة، فأكثر هؤلاء الكلمات: اللّهم إني أسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد، وأسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، وأسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، وأسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، وأسألك من خير ما تعلم، وأعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، وأستغفرُك لما تعلمُ؛ إنك أنت علامُ الغيوب)([2]).

وكان من دعاء النبي [صلى الله عليه وسلم]: رب تقبل توبتي واغسل حوبتي وأجب دعوتي، واهد قلبي وسدِّد لساني وثبت حجتي واسلل سخيمة قلبي ([3])، والسخيمة الغل والحقد.

 ومن دعاء المؤمنين كما قال الله تعالى }وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ{ [الحشر: 10].

وكان النبي [صلى الله عليه وسلم] يحب هذه الخصلة، ويكره ما يكدرها، عن ابن مسعود
[رضي الله عنه] قال: قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: ” لا يبلغني أحد من أصحابي عن أحد شيئا، فإني أحب أن أخرج إليكم وأنا سليم الصدر”([4])، وسكت عنه أبو داود، وهو من أحاديث (رياض الصالحين)([5]).

لقد قرر ديننا هذا الأمرَ وأكد عليه في نصوص كثيرة، قال تعالى }فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ{ [الأنفال: 1]، وقال سبحانه: }إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ{ [الحشر: 10].  

وعن أنس [رضي الله عنه] أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: (لا تباغضوا ولا تقاطعوا ولا تدابروا ولا تحاسدوا وكونوا عباد الله إخوانا كما أمركم الله، ولا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام)([6]).

بل من أراد النجاة يوم القيامة فليعتن بسلامة قلبه في الدنيا فإن يوم القيامة }يوم لا ينفع مال ولا بنون * إلا من أتى الله بقلب سليم{ [الشعراء: 89]. فالقلب ملك الأعضاء، إذا صلحت صلح الجسد كله، قال
[صلى الله عليه وسلم]: (إن الله لا ينظر إلى أجسامكم ولا إلى صوركم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم)([7]).

أيها الإخوة .. لقد بلغت هذه الخصلة مبلغا عظيما بمن اتصف بها، واستمعوا إلى هذه القصة التي تبين ذلك وتوضحه،

عن أنس بن مالك [رضي الله عنه] قال: كنا يوما جلوسا عند رسول الله [صلى الله
عليه وسلم]، فقال: (يطلع عليكم الآن من هذا الفج رجل من أهل الجنة. قال: فاطلع رجل من أهل الأنصار تنطف لحيته من وضوئه قد علق نعليه في يده الشمال، فسلم، فلما كان الغد قال النبي
[صلى الله عليه وسلم] مثل ذلك ، فطلع ذلك الرجل على مثل المرة الأولى، فلما كان اليوم الثالث قال النبي
[صلى الله عليه وسلم] مثل مقالته أيضا ، فطلع ذلك الرجل على مثل حاله الأول، فلما قام النبي
[صلى الله عليه وسلم] تبعه عبد الله بن عمرو بن العاص وطلب من الرجل أن يؤويه في بيته ثلاث ليال، فقبل الرجل، يقول عبد الله: فلما مضت الثلاث كدت أحتقر عمله، قلت: يا عبد الله! إني سمعت رسول الله
[صلى الله عليه وسلم] يقول ثلاث مرات: يطلع الآن عليكم رجل من أهل الجنة. فاطلعت ثلاث مرات، فأردت أن آوي إليك لأنظر ما عملك، فأقتدي بك، فلم أرك تعمل كبير عمل، فما الذي بلغ بك ما قال رسول الله
[صلى الله عليه وسلم]؟ قال: ما هو إلا ما رأيت. قال: فانصرفت عنه. فلما وليت دعاني فقال: ما هو إلا ما رأيت؛ غير أني لا أجد في نفسي على أحد من المسلمين غشا، ولا أحسده على ما أعطاه الله إياه إليه. فقال عبد الله: هذه التي بلغت بك، هي التي لا نطيق ([8]).

إن سلامة الصدر بين المؤمنين من نعم الله العظيمة، وهي من أسباب النصر والقوة }هُوَ الَّذِي أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ * وَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ إِنَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم {[الأنفال: 63]. قال الشوكاني في (فتح القدير): “إن ائتلافَ قلوبِ المؤمنين هو من أسباب النصر التي أيد الله بها رسوله”([9]).

والعكس بالعكس فإذا وقعت الفرقة والشحناء حل الضعف والهوان }وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ{ [الأنفال: 46]. وواقع الأمة اليوم خير شاهد ودليل.

كونوا جميعاً يا بنيَّ إِذا اعترى  ***  خطبٌ ولا تتفرقوا آحادا

تأبى الرماحُ إِذا اجتمعْنَ تكسراً *** وإِذا افترقْنَ تكسرتْ أفرادا

إن سلامة الصدر – أيها الإخوة – سبب في مغفرة الذنوب مرتين في الأسبوع،

عن أبي هريرة [رضي الله عنه] مرفوعا: (تعرض الأعمال في كل يوم خميس واثنين، فيغفر الله عز وجل في ذلك اليوم لكل امرئ لا يشرك بالله شيئا إلا امرأ كانت بينه وبين أخيه شحناء، فيقال: اتركوا هذين حتى يصطلحا، اتركوا هذين حتى يصطلحا)([10])، فيا عجبا لكل من يزهد في مغفرة الذنوب مع توالي الأيام بسبب قطيعة بينه وبين أحد إخوانه المسلمين، أما آن أن تصطلحا وترغما الشيطان وتظفرا بمغفرة الرحمن التي يمنُّ بها في هذين اليومين.

إن هذا الحديث – أيها الإخوة – أعظمُ سائق ودافع للانتصار على النفس وإزالة هذه المشاحنات والمقاطعات بين المسلمين التي تحرم أصحابها هذا الخير والفضل.

إن سليمَ الصدر نقيَّ الفؤاد من أفضل الناس، عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قيل يا رسول الله: أي الناس أفضل؟ قال: (كلُّ مخموم القلب صدوق اللسان)، قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: (هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي، ولا غل ولا حسد)([11]).

سلامة الصدر من صفات أهل الجنة }إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ * ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آَمِنِينَ * وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ إِخْوَانًا عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِين{ [الحجر: 47].

وعن أبي هريرة [رضي الله عنه] مرفوعا: (أول زمرة تدخل الجنة على صورة القمر ليلة البدر، والذين على أثرهم كأشد كوكب دري في السماء إضاءة، قلوبهم على قلب رجل واحد لا اختلاف بينهم ولا تباغض ولا تحاسد)([12]).

إن سلامة الصدر من صفات خيار عباد الله من الأنبياء وأتباعهم، والعظماء يترفعون عن مبارزة الناس بالعداوة وفتح جبهات مع فلان وعلان، وتأملوا معي قصة يوسف عليه السلام مع إخوته، كادوا له وتآمروا عليه فألقوه في البئر، ثم دارت الأيام وألجأتهم الحاجة إليه بعد أن رفعه الله ومكن له، فهل قال: اليوم أرد لكم الكيل وأنتقم منكم كما فعلتم بي؟ كلا، بل وفى لهم الكيل، وقال لهم }لَا تَثْرِيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ وَهُوَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ{ [يوسف: 92].ثم عفا عنهم، بل راعاهم حتى باللفظ وردَّ ما جرى إلى الشيطان }وَقَالَ يَا أَبَتِ هَذَا تَأْوِيلُ رُؤْيَايَ مِنْ قَبْلُ قَدْ جَعَلَهَا رَبِّي حَقًّا وَقَدْ أَحْسَنَ بِي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي{ [يوسف: 100].

إنه نموذج عجيب ومثال فريد في سلامة الصدر وطهارة القلب، يحسن أن نتأمله حينما نفكر في الانتقام ممن آذانا أو جرت بيننا وبينه خصومة أو نزاع.

يقول بعض السلف: “أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس والنصيحة للأمة، وبهذه الخصال بلغ من بلغ، لا بكثرة الاجتهاد في الصلاة والصوم”.

أيها الإخوة .. إن أول جريمة حصلت في الأرض كانت بسبب الحسد والعداوة في القلوب، حينما وقع بين الأخوين قابيل وهابيل ما وقع، فتطور الحسد والبغضاء إلى القتل وإزهاق الروح }فَطَوَّعَتْ لَهُ نَفْسُهُ قَتْلَ أَخِيهِ فَقَتَلَهُ فَأَصْبَحَ مِنَ الْخَاسِرِينَ {[المائدة: 30].

إن سلامة الصدر سبب لسعة الصدر فمن كان قلبه سليما صافيا ارتاح في حياته وذاق طعم السعادة في أيامه، لأنه لا ينشغل بفلان ماذا قال؟ وماذا فعل علان؟ وفلان ما سلم علي؟ فمن كانت هذه حاله تنكدت أيامه وتنغصت لياليه بأوهام وخيالات، ويجرع نفسه الضغط النفسي والتفكير المتواصل الذي يمنع عنه خيرات كثيرة من حيث لا يشعر.

لا يحمل الحقد من تسمو به الرتب  ***  ولا ينال العلا من طبعه الغضب

ومن فضائل سلامة الصدر: حفظ اللسان، فطاهر القلب سليم الصدر عفيف اللسان لأنه يحب الناس، ولا يحمل على أحد منهم شيئا، أما صاحب الشحناء والبغضاء والعداوات فتجده يتحين الفرص ويتتبع الزلات والسقطات، ويستغل المجالس بالكلام في فلان واللمز في علان أو السعي بالنميمة، أو الكذب والبهتان ليحقق ما تريده نفسه.

أيها الإخوة .. إن طبائع الناس مختلفة متنوعة، ولا بد لمن يخالط الناس أن يصبر على ما يراه أو يسمعه من الهفوات والجفاء ونحو ذلك، ولا تسير الحياة إلا بالتغاضي والصفح، أما التدقيق والمحاسبة على كل صغيرة وكبيرة فتجر إلى العناء والتعب. والشيطان حريص على إيقاع العداوة بين الناس، فيكبر الصغير ويضخم الأمر ويزرع الشر والفتنة،

عن جابر [رضي الله عنه] أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: (إن الشيطان قد يئس أن يعبده المصلون في جزيرة العرب ولكن في التحريش بينهم)([13]).

فعلى المرء أن يراعي إخوانه في أقواله وأفعاله ويختار الأحسن واللبق من منطقه وتعامله }وَقُلْ لِعِبَادِي يَقُولُوا الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنْزَغُ بَيْنَهُمْ{ [الإسراء: 53]، وإن صدرت منه هفوة فليبادر إلى الاعتذار، ولن يضره ذلك بل يرفع منزلته، وإن صدر من أحد خطأٌ عليه فليصبر وليلتمس له العذر، عن ابن عمر مرفوعا: (المؤمن الذي يخالط الناس و يصبر على أذاهم أفضل من المؤمن الذي لا يخالط الناس و لا يصبر على أذاهم)([14]).

وليكن منهج الإنسان في تعامله مع الناس قوله تعالى }خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ{ [الأعراف: 199], والمعنى: خذ الفضل من أخلاق الناس وأعمالهم، ولا تطلب منهم ما يشق عليهم حتى لا ينفروا.([15])، ويقول سبحانه }وأن تعفو أقرب للتقوى{ [البقرة: 237].

بارك الله ..

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله …

إن سلامة الصدر وطهارة القلب لها وزن عظيم وشأن جسيم في الدين، ولذا اعتنى السلف الصالح بهذا الأمر جدا لعلمهم بمنزلته، قال إياس بن معاوية بن قرة عن أصحاب النبي
[صلى الله عليه وسلم]: “كان أفضلُهم عندهم أسلمَهم صدرًا وأقلهم غيبة”([16]).

وقال سفيان بن دينار لأبي بشر – أحد السلف الصالحين -: أخبرني عن أعمال من كان قبلنا، قال: كانوا يعملون يسيرًا ويؤجرون كثيرًا، قال سفيان: ولم ذاك؟! قال أبو بشر: “لسلامة صدورهم”.

ولما حضرت الوفاةُ أبا دجانة الأنصاري [رضي الله عنه] كان وجهه يتهلل فقيل له في ذلك، فقال: (ما من عمل شيء أوثق عندي من اثنتين: كنت لا أتكلم فيما لا يعنيني، والأخرى فكان قلبي للمسلمين سليماً)([17]).

وقال قاسم الجُوعي رحمه الله تعالى: “أصل الدين الورع، وأفضل العبادة مكابدة الليل، وأقصر طرق الجنة سلامة الصدر”.

ولنا في علية بن زيد [رضي الله عنه] أسوة حسنة، فذكروا أنه صلى ليلة من الليالي وبكى وقال: اللهم إنك قد أمرت بالجهاد ورغبت فيه ثم لم تجعل عندي ما أتقوى به مع رسولك، ولم تجعل في يد رسولك ما يحملني عليه وإني أتصدق على كل مسلم بكل مظلمة أصابني فيها من مال أو جسد أو عرض ثم أصبح مع الناس فقال النبي
[صلى الله عليه وسلم] : (أين المتصدق هذه الليلة)؟. فلم يقم إليه أحد ثم قال: ( أين المتصدق فليقم ) فقام إليه فأخبره فقال النبي
[صلى الله عليه وسلم] : ( أبشر فوالذي نفس محمد بيده لقد كتبت في الزكاة المتقبلة)([18]).

جاء رجل إلى الشعبي فشتمه في ملأ من الناس، فقال الشعبي: إن كنت صادقا فغفر الله لي، وإن كنت كاذبا فغفر الله لك.

أيها الإخوة .. نريد أن تكون علاقاتنا قائمةً على سلامة الصدر وطهارة القلب ونقاء السريرة، صفاء وود، إخاء وحب، قلب سليم ونفس صافية، وصدر يحتمل الزلات ويغفر الأخطاء، ويمحو الإساءة بالإحسان ، نعفو ونصفح ونلتمس المعاذير:

وإذا الحبيب أتى بذنب واحد  ***  جاءت محاسنه بألف شفيعِ

إن صاحب القلب السليم الطاهر النقي هو القريب من الناس، المحبوب عندهم، المرغوب في القرب منه والتعامل معه؛ لأنه واضحٌ أمرُه، مأمونٌ عاقبتُه، لا يعرفُ المكرَ والتلون.

نريد أن نحقق هذه المعاني لنكون كالجسد الواحد كما قال النبي [صلى الله عليه
وسلم] (مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد ..)([19]).

إن مما يتفطر له القلب أسى أن نرى التقاطع والتشاحن بين المسلمين، فهذا قريب لا يصل قريبه قطعه من سنين، وذاك جار لا يسلم على جاره لمشكلة بينهما، وثالث بينه وبين زميله في العمل موقف تهاجرا بسببه مدة من الزمان، وهكذا انتصر الشيطان في التحريش والتفريق، بل حتى بين بعض الإخوة والأخوات، فإلى متى هذا التقاطع والتنافر والوحشة؟!  ألا ننتصر على نفوسنا ونتصافحُ بقلوبنا وأيدينا.

إن هذه المقاطعات لا تثمر إلا حرمانا للخيرات ، وهما وغما وتفكيرا، وسعيا في تتبع العيوب والعثرات، وزيادة في الإثم والسيئات.

إن العاقل عليه أن يحسم الأمر ويحزم مع نفسه ويقطع هذه القطيعة فيسلم على أخيه ويصله ولو كان يراه مخطئا عليه، فخيرهما الذي يبدأ بالسلام، وقد يكون في هذا ثقل وصعوبة على كثير من النفوس، لكن العزيمة والإرادة واستعمال بعض الأسباب التي نشير إليها لاحقا يحقق المقصود إن شاء الله.

اللّهم إنا نسألك الثبات في الأمرِ، والعزيمة على الرُّشد، ونسألك موجبات رحمتك، وعزائم مغفرتك، ونسألك شكر نعمتِك، وحسن عبادتك، ونسألك قلباً سليماً، ولساناً صادقاً، ونسألك من خير ما تعلم، ونعوذُ بك من شرِّ ما تعلم، ونستغفرُك لما تعلمُ؛ إنك أنت علامُ الغيوب. ربنا تقبل توبتنا واغسل حوبتنا وأجب دعوتنا واهد قلوبنا وسدد ألسنتنا وثبت حجتنا واسلل سخيمة قلوبنا.

 

([1]) رواه البخاري: (4330), ومسلم: (1061). عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زَيْدِ بْنِ عَاصِمٍ رضي الله عنهما.

([2]) رواه أحمد: (17114), والطبراني في الكبير: (7135), وصححه الألباني في الصحيحة: (3228).

([3]) رواه أبو داود (1510), وأحمد (1997) وصححه الألباني في صحيح الجامع (3485) عن ابن عباس رضي الله عنهما.

([4]) رواه أبو داود: (4860), والترمذي: (3896), وضعفه الألباني في ضعيف الجامع: (6322).

([5]) رياض الصالحين: (1547). بتحقيق الألباني.

([6]) رواه البخاري: (6065), ومسلم: (2559).

([7]) رواه مسلم: (2564) عن أبي هريرةَ
[رضي الله عنه] .

([8]) رواه أحمد (12697), والبيهقي في الشعب (6181), وصحح إسناده الإمام ابن كثير رحمه الله في التفسير: (8/ 99), وقال المنذري في الترغيب (4384): رواه أحمد بإسناد على شرط البخاري ومسلم والنسائي، ورواته احتجّا بهم أيضا إلّا شيخه سويد بن نصر، وهو ثقة؛ وصححه الألباني أولا في مقدمة الضعيفة: (1/ 25), ثم تراجع وضعفه, في ضعيف الترغيب: (1728).

([9]) (2/322)

([10]) رواه مسلم: (2565).

([11]) رواه ابن ماجه: (4216), وصححه الألباني في الصحيحة: (948).

([12]) أورده الألباني في صحيح الجامع (2565), وصححه, وقال: رواه ابن ماجه. عن أبي هريرة
[رضي الله عنه] . واصله: رواه البخاري: (3245), ومسلم: (2834).

([13]) رواه مسلم (2812).

([14]) رواه ابن ماجه: (4032), وأحمد: (5022), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6651).

([15]) التفسير الميسر ص(176).

([16]) رواه ابن أبي شيبة: (35185).

([17]) صفوة الصفوة: (1/184).

([18]) رواه البزار وابن مردويه وابن منده كما في الإصابة: (4/546)، وصححه الألباني في فقه السيرة (ص405)، وله شاهد من حديث أنس
[رضي الله عنه] في خبر أبي ضمضم أخرجه أبو داود (4886), وضعفه الألباني في ضعيف الجامع (2185) .

([19]) رواه البخاري: (6011), ومسلم: (2586) واللفظ له, عن النُّعْمَانَ بْنَ بَشِيرٍ
[رضي الله عنه] .

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى