الآداب الشرعيةمداد القلم

آداب العيد

لا تخلو حضارة أو ديانة من أعياد مقدسة عند أتباعها، تختص وتتميز بها، ويظهرُ فيها ولاءُ أصحابِها لها.

ونحن أهلَ الإسلام ليس لنا إلا عيدان يتكرران في العام، هما عيدُ الفطر وعيد الأضحى، والثاني أكبر العيدين وأفضلُهما.

وسمي العيدُ عيداً لعود السرور بعوده وتكرره، ولكثرة عوائد الله على عباده في ذلك اليوم.

وجاءت الشريعة بأحكام وآداب في هذين العيدين، أوجزها في هذه الأسطر:

 

أولا: صلاة العيد

وهي شعيرة من شعائر الدين الظاهرة ، وكان النبي صلى الله عليه وسلم يواظب عليها ، ولم ينقل أنه تركها مرة واحدة.

عن أبي عمير بن أنس بن مالك عن عمومة له من الأنصار أن ركباً جاؤوا فشهدوا أنهم رأوا الهلال بالأمس فأمرهم النبي صلى الله عليه وسلم أن يفطروا، وإذا أصبحوا أن يغدوا إلى مصلاهم. رواه أحمد وأبو داود بسند صحيح

فأمر النبيُّ صلى الله عليه وسلم بصلاة العيد بعد فوات وقتها.

وعن أم عطية رضي الله عنها قالت: أُمرنا أن نُخرج العواتق والحيض في العيدين؛ يشهدن الخير ودعـوة المسلمين ويعتزل الحيض المصلى. متفق عليه، وفي لفظ للبخاري: كنا نؤمر أن نَخرُجَ يوم العيد حتى نُخرج البكرَ من خدرها، حتى تخرج الحيض فيكنَّ خلف الناس، فيكبرن بتكبيرهم ويدعون بدعائهم، يرجون بركة ذلك اليوم وطهرته.

والعواتق: هن الشابات. وفي هذا الحديث دلالة ظاهرة على آكدية صلاة العيدين، وأن السنة أن تؤدى في المصلى الذي يكون خارج البلد.

وفي هذا الحديث أيضاً دلالة على عناية الإسلام بالمرأة وتعليمها أمور الدين وإشراكِها في الخير، فالنساء شقائق الرجال، وفيه أيضاً أن العواتق الشابات كان من شأنهن عدم البروز والخروج إلا فما أذن لهن فيه لا كما عليه كثير من شابات المسلمين اليوم، والله المستعان.

وذكر جماعة من أهل العلم أن صلاة العيد فرض عين يأثم المسلم بتركها، وهو اختيار شيخ الإسلام ابن تيمية وابن القيم رحمهما الله ، بل ذكر ابن تيمية رحمه الله أن صلاة العيد آكد من الجمعة ، لحديث أم عطية السابق حيث أمروا بإخراج العواتق في العيدين ولم يؤمروا بذلك في الجمعة.

فالأحوط للمسلم ألا يتخلف عن صلاة العيد، بل يشهدها رجاء بركة ذلك اليوم وطهرته، ويُشهد نساءه هذه الشعيرة كما كان الصحابة رضي الله عنهم يفعلون .

وصلاة العيد ليس لها راتبة قبلية ولا بعدية، لحديث ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم صلى يوم العيد ركعتين، لم يصل قبلها ولا بعدها. متفق عليه

لكن لو كانت صلاة العيد في جامع؛ فيصلي ركعتين تحية المسجد قبل أن يجلس.

 

ثانيا: التكبير

فيستحب إظهاره والجهر به ، وهو في عيد الفطر آكد.

ويشرع التكبير المطلق في المساجد والمنازل والطرقات ونحوها من مجامع الناس:

– في عيد الفطر: من غروب شمس آخر يوم من رمضان إلى صلاة العيد.

– وفي عيد الأضحى: من دخول عشر ذي الحجة إلى آخر أيام التشريق.

ويشرع التكبير المطلق والمقيد لغير الحاج من فجر يوم عرفة إلى آخر أيام التشريق، وللحاج من ظهر يوم العيد إلى آخر أيام التشريق. والمراد بالمقيد: الذي يكون أدبار الصوات المكتوبة.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما يكبر في قبته بمنى فيكبر أهل المسجد ويكبر أهل الأسواق، حتى ترتج منى تكبيراً .

 

ثالثا: التطهر والتجمل ولبس أحسن الثياب

لما رواه ابن عمر رضي الله عنهما قال: أخذ عمر جبة من استبرق تباع في السوق فأخذها فأتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله ابتع هذه تجمل بها للعيد والوفود. متفق عليه.

قال ابن رجب في (فتح الباري) 8/413: “وقد دلّ الحديث على التجمل للعيد، وأنه كان معتادًا بينهم”.

وسئل علي رضي الله عنه عن الغسل الذي هو الغسل؟ فقال: يوم الجمعة ويوم عرفة ويوم النحر ويوم الفطر. رواه البيهقي بسند صحيح

ولأنه يوم يجتمع فيه الناس للصلاة فاستحب الغسل فيه كيوم الجمعة، هذا مع التجمل ولُبس أحسن الثياب إظهاراً للشكر والسرور بنعمة الله تعالى على العبد ، وثبت عن ابن عمر رضي الله عنهما بإسناد صحيح أنه كان يلبس أحسن ثيابه في العيدين.

 

رابعا: مخالفةُ الطريق

بمعنى أن يذهب إلى المصلى من طريق ويرجع من طريق آخر لما رواه جابر رضي الله عنه قال : كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا كان يومُ عيدٍ خالف الطريق. رواه البخاري

وذلك لإظهار شعائر الإسلام في سائر الفجاج والطرق، ولتكثر شهادة البقاع له، ولغيرها من الحكم الجليلة .

 

خامسا: أكل تمرات قبل عيد الفطر وتراً، وتأخير الطعام في الأضحى إلى ما بعد الصلاة

لما رواه بريدة رضي الله عنه قال : كان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يخرج يوم الفطر حتى يطعم، ولا يطعم يوم الأضحى حتى يصلي. أخرجه أهل السنن بسند صحيح، وفي لفظ عند الدارمي: ” إذا كان يومُ النحر لم يطعم حتى يرجعَ فيأكلَ من ذبيحته “.

وفي التزام هذا الأدب حثٌ للمصـلي على المبادرة إلى ذبح أضحيته، حتى كـان النبي صلى الله عليه وسلم يذبحُ أضحيته في المصلى.

ولذا حرم الشارع صيام هذين اليومين، لحديث أبى سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نهى عن صيام يومين: يوم الفطر ويوم النحر. متفق عليه

 

سادسا: إظهارُ الفرح والسرور والتوسعة على الأهل

يوم العيد يوم فرح على المرء في نفسه، ويعدي ذلك إلى أهله وأولاده بما يجلب السرور والبهجة على نفوسهم والراحة على أبدانهم، وتمكينهم من اللعب والتنزه مع التزام الضوابط الشرعية، لما رواه أنس رضي الله عنه قال: قدم رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما فقال: “قد أبدلكم الله بهما خيراً منهما: يومَ الفطر ويومَ الأضحى” رواه أبو داود بسند صحيح.

وعن عائشة رضي الله عنها قالت : دخل عليَّ أبو بكر رضي الله عنه وعندي جاريتان من جواري الأنصار تغنيان بما تقاولت به الأنصار يوم بعاث، قالت: وليستا بمغنيتين، فقال أبو بكر: أبمزمور الشيطان في بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟! وذلك في يوم عيد، فـقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “يا أبا بكر إن لكل قوم عيداً وهذا عيدُنا ” رواه مسلم

 

سابعا: التهنئة يوم العيد

لا بأس بالتهنئة يوم العيد ، فقد جاء عن جبير بن نفير- أحد كبار التابعين – بسند حسن قال: كان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا التقوا يوم العيد يقول بعضهم لبعض: تقبل الله منا ومنك.

قال الإمام مالك : لم نزل نعرف هذا بالمدينة.

 

وقفة:

إن من أهم ما يختص به عيد الأضحى أنه موسم إراقة الدماء من الهدي والأضاحي لله وحده لا شـريك له:﴿ قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (162) لاَ شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَاْ أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ ﴾[الأنعام: 162-163].

وهذه العبادة العظيمة يظهر فيها تجريد التوحيد لله جل وعلا بصرف هذه العبادة له وحده لا شريك له. قال سلمان الفارسي رضي الله عنه: دخل الجنةَ رجلٌ في ذباب، ودخل النارَ رجلٌ في ذباب، قيل: وكيف ذلك ؟ قال: مر رجلان على قوم لهم صنم لا يجوزه أحد حتى يقرب له شيئاً، فقالوا لأحدهما: قَرِّب، قال: ليس عندي شيء أقرب، قالوا له: قرب ولو ذباباً، فقرب ذباباً فخلوا سبيله فدخل النار، وقالوا للآخر: قرب، فقال: ما كنت لأقرِّب لأحدٍ شيئاً دون الله عز وجل، فضربوا عنقه، فدخل الجنة. رواه أحمد في كتاب الزهد بسند صحيح.

والأضحية سنة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وأصل مشروعيتها ما قصه الله علينا في شأن إمام الحنفاء إبراهيم الخليل مع ابنه إسماعيل الذبيح عليهما الصلاة والسلام مما ذكره الله مفصلاً في سورة الصافات.

والأضحية سنة مؤكدة لا ينبغي لمن كن ذا سعة أن يتركَها، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : “ما عمل آدمي من عمل يوم النحر أحب إلى الله من إهـراق الدم، وإنها لتأتي يوم القيامة بقرونها وأشعارها وأظلافها، وإن الدم ليقع من الله بمكان قبل أن يقع على الأرض، فطيبوا بهـا نفساً ” رواه الترمذي وحسنه، والحاكم وصححه.

ومما ينبه عليه أن يتخير المسلم من بهيمة الأنعام أنفَسها وأحسنها وأغلاها ثمناً ، ويستحب للمضحي أن يباشر أضحيته، فيذبحها بنفسه فإن لم يتيسر شهدها وذكر اسم الله عليها مع الذابح.

وتجب الصدقة من الأضحية، وهذا مما يغفل عنه بعض النـاس، ويستحب الإهـداء منها والأكـل لقوله تعالى:﴿ فَكُلُوا مِنْهَا وَأَطْعِمُوا الْقَانِعَ وَالْمُعْتَرَّ ﴾[الحج: 36].

اللهم تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتب علينا إنك أنت التواب الرحيم

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى