خطب الجمعةخطب نصية

عظمة الله تعالى

الحمد لله الذي سبحت بحمده الكائنات، وخضعت لعظمته وملكه سائرُ المخلوقات، العالمُ المحيطُ بالأسرار والخفيات، لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماوات، ولا تعجزه حاجات السائلين على اختلاف اللغات وتنوع اللهجات وتعدد الحاجات.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مبرأة من الإشراك في الأقوال والأعمال والنيات. وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله شهدت برسالته المعجزات، فعليه وعلى آله وأصحابه أكمل السلام وأتم الصلوات أما بعد

عباد الله .. اتقوا الله حق التقوى وتمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا غضب الجبار فإن أجسادكم على النار لا تقوى.

أيها الإخوة .. لقد انبهر كثير من المسلمين بما رأوه من تقدم حضاري وتطور تقني بما فيه من نافع وضار، فرأوا تقدما في الطب والهندسة، وتطورا في وسائل المواصلات والاتصالات وغزوِ الفضاء والأسلحة الفتاكة وحرب النجوم، وتقنيةِ المعلومات الدقيقة، مما أثر على البعض فغلب نظرُه إلى هذه الماديات – ومنها النافع الذي ينبغي على المسلمين السبقُ إليه – على حساب الغيبيات الراسخة، ومن ذلك الإيمانُ بالله تعالى وعظمته.

لقد خفَتَتْ عظمةُ الله في نفوس بعضِ المسلمين اليومَ، وعظُم في نفوسهم قدرُ قوى الأرض البشريّة، حين رأوا مُنجزاتِ الحضارة المادّية ونتاجها العلمي، وساعد على ذلك تقصيرُ وسائل الإعلام التي ربطت الناسَ بالماديات، وقصرت في تذكير الناس بالغيبيات الثابتة.

إنّ تعظيمَ الله عزّ وجل مِن أجلّ العبادات القلبية، وأهمّ أعمال القلوب التي يتعيّن ترسيخها وتزكيةُ النفوس بها، لا سيّما وأنّه ظهَر في زماننا ما يخالِف تعظيمَ الله تعالى مِن الاستخفاف والاستهزاءِ بشعائر الله، والتطاولِ على الثوابت, والتّسفيه والازدراء لدين الله، مع ما أصاب الأمّةَ من وهَنٍ وخورٍ، وهزيمةٍ نفسيّة.

اللهُ تعالى هو الكريم العظيم, الذي هو أكبر من كلّ شيء، وأعظم من كلّ شيء، هو أجلّ وأعلى، هو وحدَه الخالق لهذا العالم، لا يقَع شيء في الكون من حركةٍ أو سكون أو رفعٍ أو خفض، أو عزّ أو ذلّ، أو عطاءٍ أو منع؛ إلاّ بإذنه سبحانه، يفعَل ما يشاء, لا يُمانَع ولا يُغالَب. ولما قال الأعرابي لرسول الله – صلى الله عليه وسلم – : فإنّا نستشفع بك على الله، ونستشفِع بالله عليك، قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (ويحَك! أتدري ما تقول؟!) وسبّحَ رسول الله – صلى الله عليه وسلم -, فما زال يسبّح حتى عُرِف ذلك في وجوه أصحابِه, ثمّ قال: (ويحَك! إنّه لا يستشفَع بالله على أحدٍ من خلقه, شأنُ الله أعظمُ من ذلك)[1]رواه أبو داود: (4726), وضعفه الألباني في ضعيف الجامع: (6137) وذكر شيخ الإسلام أنه من الأحاديث التي تلقتها الأمة بالقبول. انظر: مجموع الفتاوى (16/435). والحديث عن جبير بن مطعم – رضي الله عنه – ..

تأمّل آياتِ الله وإعجازَه في الكون، في كتابٍ مقروء، وصفحاتٍ مشرقة منظورَة، ليمتلئَ قلبُك إجلالاً وعظمة لله سبحانه: {فَسُبْحَـٰنَ ٱلَّذِى بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلّ شيء وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} [يس: 83]

انظر إلى الشّمس والقمَر يدوران، والليلِ والنهار يتقلّبان, بل انظُر إلى تكوين نفسِك وتركيبِ جسمك، من ذا الذي جعله بهذا التركيب وهذا النظام العجيب،{ وَفِى أَنفُسِكُمْ أَفَلاَ تُبْصِرُونَ } [الذاريات: 21].

فكِّر في النبات والشجر, والفاكهة والثمر، وفي البَحر والنّهَر، إذا طاف عقلك في الكائنات ونظرك في الأرض والسموات رأيتَ على صفحاتها قدرةَ الله, وامتلأ قلبك بالإيمان بالله، وانطلقَ لسانُك بـ”لا إله إلا الله”، وخضعت مشاعرُك لسلطانِ الله.

فيا عجبا كيف يعصى الإله *** أم كيف يَجحده الجاحد
وفِي كل شيء له آية *** تدل على أنه واحد

يقول عزّ وجلّ: { قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلَّيْلَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِضِيَاء أَفَلاَ تَسْمَعُونَ * قُلْ أَرَءيْتُمْ إِن جَعَلَ ٱللَّهُ عَلَيْكُمُ ٱلنَّهَارَ سَرْمَدًا إِلَىٰ يَوْمِ ٱلْقِيَـٰمَةِ مَنْ إِلَـٰهٌ غَيْرُ ٱللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفلاَ تُبْصِرُونَ } [القصص: 72]

إنّ الإيمان بالله – عبادَ الله – مبنيّ على التعظيم والإجلال له عزّ وجلّ، قال تعالى: { تَكَادُ ٱلسَّمَـٰوٰتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ } [مريم: 90]، قال المفسرون: (يتشقّقن مِن عظمةِ الله عزّ وجلّ)[2]تفسير الطبري: (21/ 501)..

منزلةُ التعظيم تابعة للمعرفة, فعلى قدرِ المعرفة يكون تعظيمُ الربّ تعالى في القلب، وأعرف النّاس به أشدُّهم له تعظيمًا وإجلالاً, وقد ذمّ الله تعالى مَن لم يعظِّمه حقَّ عظمتِه, ولا عرَفه حقَّ معرفته، ولا وصفَه حقَّ صفته، فقال: { مَّا لَكُمْ لاَ تَرْجُونَ لِلَّهِ وَقَارًا } [نوح: 13]، قال المفسرون: (ما لكم لا تعظِّمون الله حقَّ عظمته)[3]المرجع السابق: (23/ 296)..

{ وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَالْأَرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَالسَّماوَاتُ مَطْوِيَّاتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ } [الزمر: 67]

عن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: جاء حبر من الأحبار إلى رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فقال: يا محمد! إنا نجد أن الله – عز وجل – يجعل السموات على أصبع، والأرضين على أصبع، والشجر على أصبع، والماء والثرى على أصبع، وسائر الخلق على أصبع، فيقول: أنا الملك. فضحك رسول الله – صلى الله عليه وسلم – حتى بدت نواجذه تصديقًا لقول الحبر، ثم قرأ: { وَمَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ} [4]رواه البخاري: (4811), ومسلم: (2786)..

سئل موسى عن ربه فقال: { ربنا الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى} [طه: 50]، وسئل إبراهيم عن خالقه، فقال: { الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ * وَالَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ }[الشعراء: 81]، وعرف الربُّ عن نفسه بنفسه فقال: { الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى * لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى * وَإِنْ تَجْهَرْ بِالْقَوْلِ فَإِنَّهُ يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى * اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنى} [طه: 8].

عن ابنِ عمر رضي الله عنهما أنّ رسول الله – صلى الله عليه وسلم – قرأ هذه الآيةَ ذاتَ يوم على المنبر: { وَمَا قَدَرُواْ ٱللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وَٱلأرْضُ جَمِيعًا قَبْضَتُهُ يَوْمَ ٱلْقِيَاٰمَةِ وَٱلسَّمَاوٰتُ مَطْوِياتٌ بِيَمِينِهِ سُبْحَـٰنَهُ وَتَعَالَىٰ عَمَّا يُشْرِكُونَ} ، ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول هكذا بيده، ويحركها، يقبلُ بها ويدبر، (يمجّد الربُ نفسه: أنا الجبار، أنا المتكبّر، أنا الملك, أنا العزيز، أنا الكريم)، فرجَف برسول الله – صلى الله عليه وسلم – المنبر حتى قلنا: (ليخِرّنّ به)[5]رواه أحمد: (5414), وصححه الألباني في الصحيحة: (3196), (7/596), وقال: (إسناده صحيح على شرط مسلم). وأصله في مسلم: (2788)..

وعن ابن عباس – رضي الله عنه – قال: (ما السموات السبع والأرضون السبع في كف الرحمن إلا كخردلة في يد أحدكم)[6]تفسير الطبري: (24/ 25).

وعن ابن مسعود – رضي الله عنه – قال: (بين السماء الدنيا والتي تليها خمسمائة عام، وبين كل سماء خمسمائة عام، وبين السماء السابعة والكرسي خمسمائة عام، وبين الكرسي والماء خمسمائة عام، والعرش فوق الماء، والله فوق العرش، لا يخفى عليه شيء من أعمالكم)[7]رواه ابن خزيمة في التوحيد: (2/ 885), والدارمي في الرد على الجهمية (ص:26، 27) ، والطبراني في الكبير: (9/228) ، والبيهقي في الأسماء والصفات: (2/290) ، وغيرهم. قال الهيثمي في المجمع (1/86) : “رجاله رجال الصحيح”، وصححه الذهبي في العلو (انظر: مختصر العلو للألباني ص: 245) ..

إنه الله العظيم الأعظم، كل يوم هو في شأن، يغفر ذنباً، ويفرّج هما، وينفس كرباً، ويرفع قوماً، ويضع آخرين، يحيِ ميتاً، ويميت حياً، ويجيب داعياً، ويشفي مريضاً، ويعز من يشاء، ويذل من يشاء، سبحانه كل يوم هو في شأن.

سمع نداءَ يونس في الظلمات، واستجاب لزكريا فوهبه على الكبر يحيى هادياً مهدياً، أزال الكربَ عن أيوب، وألان الحديد لداود، وسخر الريح لسليمان، وفلق البحر لموسى، وشق القمر لمحمد، وجعل النار برداً وسلاماً على إبراهيم.

هذه الأرضُ من بسطها؟ والسماءُ من رفعها؟، والجبال من أرساها؟، والطير من سواها؟، والنهر من أجراه؟، والليل من كساه؟ إنه الله الذي خلق كل شيء وسواه.

عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يقول الله تعالى: (الكبرياء ردائي والعظمة إزاري فمن نازعني واحدا منهما ألقيته في النار)[8]رواه ابن ماجة: (4175), وابن حبان: (5672), وصححه الألباني في صحيح ابن ماجة. وهو في (صحيح مسلم) (2620) من حديث أبي سعيد الخدري وأبي هريرة قالا: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (العز إزاره، والكبرياء رداؤه، فمن ينازعني عذبته)..

الله جل جلاله، إنه الملاذُ في الشدّة، والأنيس في الوحشة، والنصير في القِلة، مزّق شمل الجبابرة، دمّر سدَّ مأرب بفأرة، وأهلك النمرود ببعوضة، وهزم أبرهة بطيرٍ أبابيل.

من أقبل عليه تلقاه من بعيد، ومن أعرض عنه ناداه من قريب، ومن ترك من أجله أعطاه فوق المزيد.

عبادته شرف، والذلّ له عزّة، والافتقار إليه غنى، والتمسْكن له قوة. سبحان من أحاط علمُه بالكائنات، واطّلع على النيات، { لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ } [الشورى: 11]. يبدئ ويعيد، وينشئ ويبيد، وهو فعّال لما يريد، لم يخلق الخلق سُدى، ولن يتركهم هملا.

عن أبي ذر قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – (إني أرى ما لا ترون وأسمع ما لا تسمعون أطت السماء وحق لها أن تئط والذي نفسي بيده ما فيها موضع أربعة أصابع إلا وملك واضع جبهته ساجد لله، والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلا ولبكيتم كثيرا، وما تلذذتم بالنساء على الفرش ولخرجتم إلى الصعدات تجأرون إلى الله )[9]رواه الترمذي: (2312), وأحمد: (21516), وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (2449)..

وقال – صلى الله عليه سلم – في حديث الإسراء والمعراج: (رفع لي البيت المعمور فقلت: يا جبريل! ما هذا ؟ قال: هذا البيت المعمور يدخله كل يوم سبعون ألف ملك إذا خرجوا منه لم يعودوا إليه آخر ما عليهم)[10]رواه البخاري: (3207), ومسلم: (162), عن أَنَس بْن مَالِكٍ – رضي الله عنه ..

تعظيم الله في القلوب داعٍ إلى مراقبته والخوف منه والعمل بمرضاته، تعظيم الله في القلوب طريق للتقوى، من شهِد قلبُه عظمةَ الله وكبرياءَه علِم شأنَ تحذيره جلّ وعلا في قوله: { وَيُحَذّرْكُمُ ٱللَّهُ نَفْسَهُ } [آل عمران: 28] قال المفسرون: “أي: فخافوه واخشَوه”[11]ينظر: تفسير السعدي (ص 965)..

قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم -: (أُذن لي أن أحدث عن أحد حملة العرش، ما بين شحمة أذنه إلى عاتقه مسيرة سبعمائة عام)[12]رواه أبو داود: (4727), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (854). عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ – رضي الله عنه – ..

ومن عظمته جل وعلا ما حصل يوم التجلي للجبل { وَلَمَّا جَاءَ مُوسَى لِمِيقَاتِنَا وَكَلَّمَهُ رَبُّهُ قَالَ رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ قَالَ لَنْ تَرَانِي وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا فَلَمَّا أَفَاقَ قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُؤْمِنِينَ} [الأعراف: 143]

وقال – صلى الله عليه وسلم – عن ربه تعالى: (حجابه النور، لو كشفه لأحرقت سبحات وجهه ما انتهى إليه بصره من خلقه)[13]رواه مسلم: (179).. وسبحات وجهه هي: “نوره وجلاله وبهاؤه”[14]ينظر: شرح النووي على مسلم (3/ 14)..

 

يا من يرى مد البعوض جناحها *** في ظلمة الليل البهيم الأليَل
ويرى نياط عروقها فِي نَحرها *** والمخ في تلك العظام النحَّل
امنن علي بتوبة تمحو بها  *** ما كان مني في الزّمان الأوّل

بارك الله ..

الخطبة الثانية:

الحمد لله وكفَى, وسلام على عبادِه الذين اصطفى, وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريك له العليّ الأعلى, وأشهد أنّ سيّدنا ونبيّنا محمّدًا عبده ورسوله, صاحب النّهج السوي والخلق الأسنى, صلّى الله عليه وعلى آله وصحبه.

أيها الإخوة في الله، لما خف تعظيم الله في القلوب وقل قدره في النفوس هانت المعصية عند كثير من الناس. زنى الزاني لأنه لم يعظم الله، وسرق السارق ..، وغش البائع في البيع ..، وفرط الموظف في أمانته ..، وتهاونت المرأة في حجابها ..، وتجرأنا على المعصية .. .

يقول أحد السلف: “لا تنظر إلى صغر الخطيئة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت”.

لا تقلْ: هذه نظرة، هذه كلمة، هذه صغيرة، ولكن انظر إلى عظمة من عصيت.

وقال آخر: “لا تجعل الله أهون الناظرين إليك”.

قال ابن عباس – رضي الله عنه – : (أما علمتم إن لله عباداً أصمتهم خشية الله، لا من عمي ولا بكم، وإنهم لهم العلماء العصماء النبلاء الطلقاء غير أنهم إذا تذكروا عظمة الله انكسرت قلوبهم وانقطعت ألسنتهم حتى إذا استفاقوا من ذلك تسارعوا إلى الله بالأعمال الزاكية فأين أنتم منهم؟)[15]أخرجه الهروي في ذم الكلام: (ص184)..

وإن من مظاهر تعظيم الله تعالى: التعرف على أسمائه وصفاته والإيمان بآثارها، فيعيش المسلم في رياض تلك الأسماء، ويحذر من امتهانها برمي الأوراق والصحف مع النفايات أو جعلها سفرة للطعام.

ومن مظاهر تعظيم الله تعالى: التعرف على نعم الله وتذكر آلائه وحمد عليها.

ومن مظاهر تعظيمه: وجل القلوب من علام الغيوب. { وَبَشِّرِ الْمُخْبِتِينَ * الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللَّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ وَالصَّابِرِينَ عَلَى مَا أَصَابَهُمْ وَالْمُقِيمِي الصَّلَاةِ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ } [الحج: 35].

ومن أعظم مظاهر تعظيمه الله تعالى: تعظيم أمره ونهيه.

عن طاووس رحمه الله قال: (ما رأيت أحدا أشد تعظيما لحرمات الله من ابن عباس)[16]سير أعلام النبلاء: (3/342)..

ومن مواضع التعظيم: الركوع كما قال – صلى الله عليه وسلم – : (أما الركوع فعظموا فيه الرب)[17]رواه مسلم: (479)..

عباد الله .. عظموا الله في قلوبكم، واستشعروا جلاله وكماله وجماله، وليكن ذلك دافعا لكل خير وفضيلة، مانعا من كل معصية ورذيلة، فإنه عظيم عظيم في ذاته وأسمائه وصفاته وأفعاله.

لله في الآفاق آياتٌ لعل *** أقلها هو ما إليه هداكا
ولعل ما في النفس من آياته *** عجبٌ عجابٌ لو ترى عيناكا
والكون مشحونٌ بأسرار إذا *** حاولت تفسيراً لها أعياكا
قل للطبيب تخطفته يد الردى *** يا شافي الأمراض: من أرداكا؟
قل للمريض نجا وعوفي بعد ما *** عجزت فنون الطب: من عافاكا؟
قل للصحيح يموت لا من علة *** من بالمنايا يا صحيح دهاكا؟
قل للجنين يعيش معزولا بلا *** راع ومرعى: مالذي يرعاكا؟
وإذا ترى الثعبانَ ينفث سمَّه *** فاسأله: من ذا بالسموم حشاكا؟
وأسأله كيف تعيش ياثعبان أو *** تحيا وهذا السم يملأ فاكا؟
وأسأل بطون النحل كيف تقاطرت *** شهداً وقل للشهد: من حلاَّكا؟
بل سائل اللبن المصفى كان بين *** دم وفرث مالذي صفاكا؟
وإذا رأيت النار شب لهيبُها *** فاسأل لهيب النار: من أوراكا؟
وإذا رأيت الليل يغشى داجيا *** فاسأله : من يا ليل حاك دجاكا؟
وإذا رأيت الصبحَ يُسفر ضاحياً *** فاسأله: من يا صبح صاغ ضحاكا؟
هذي عجائبُ طالما أخذتْ بها *** عيناك وانفتحت بها أذناكا!
يا أيها الإنسان مهلا مالذي *** بالله جل جلاله أغراكا؟

اللهم اعمر قلوبنا بتعظيمك وإجلالك، وارزقنا من خشيتك ما تحول به بيننا وبين معاصيك، اللهم إنا نستغفرك من تقصيرنا في حقك، وتفريطنا في عبادتك، كما ينبغي لجلال وجهك وعظيم سلطانك.

‫2 تعليقات

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى