خطب الجمعةخطب نصية

كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

كلمة التوحيد (لا إله إلا الله)

إن الحمد لله .. اتقوا الله ..

خلق الله البشر من آدم إلى يومنا هذا، وسخر لهم ما في الأرض، فلماذا خلقهم؟.

وأرسل الرسل وبعث الأنبياء إلى الناس، فلماذا بعثهم؟

وأوجد الجنة والنار، فلماذا أوجدهما؟.

جواب هذا كله: ليُعبد اللهُ وحده لا شريك الله، ليتحقق التوحيد، وتتوحد الكلمة على كلمة التوحيد (لا إله إلا الله).

(لا إله إلا الله) هي كلمة الإخلاص، ومفتاح الدين، والغاية من خلق الخلق وبعث الرسل، وهي العروة الوثقى {فَمَنْ يَكْفُرْ بِالطَّاغُوتِ وَيُؤْمِنْ بِاللَّهِ فَقَدْ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى لا انفِصَامَ لَهَا وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ} [البقرة: 256]، وهي كلمة الحق في قوله تعالى: { إِلاَّ مَنْ شَهِدَ بِالْحَقِّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ }[الزخرف: 86] ، وهي الحسنى التي ذكرها الله في قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى } [الليل: 7] كما نقل ذلك عن ابن عباس رضي الله عنهما .

وهي كلمة التقوى التي ذكرها الله في قوله: { وَأَلْزَمَهُمْ كَلِمَةَ التَّقْوَى وَكَانُوا أَحَقَّ بِهَا وَأَهْلَهَا } [الفتح: 26] ، وهي القول الثابت في قوله تعالى: { يُثَبِّتُ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا بِالْقَوْلِ الثَّابِتِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } [إبراهيم: 27] اللهم ثبتنا بالقول الثابت: (لا إله إلا الله) في الدنيا والآخرة.

وهي الكلمة الطيبة المضروبةُ مثلاً في قوله تعالى: { أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ} [إبراهيم: 24] ، فهذه الكلمة (لا إله إلا الله) أصلها ثابت في قلب المؤمن، وفرعها العمل الصالح صاعدٌ إلى الله عز وجل، فالكلمة الطيبة هي كلمة الإخلاص، والشجرة الطيبة هي النخلة.

من كان يطمح إلى أعالي الجنان؛ فلا إله إلا الله هي مفتاح الفوز بالجنة، والنجاة من النار، كما في الحديث عن عبادة بن الصامت – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من شهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدا عبده ورسوله، وأن عيسى عبد الله ورسولُه وكلمتُه ألقاها إلى مريم وروح منه، والجنةَ حقٌ والنارَ حق؛ أدخله الله الجنة على ما كان من العمل)[1] رواه البخاري: (3435), ومسلم: (28)..

وعن أنس – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (يخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن شعيرة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن برة من خير، ويخرج من النار من قال لا إله إلا الله وفي قلبه وزن ذرة من خير)[2]رواه البخاري: (44). .

لا إله إلا الله؛ هي أول واجب على المكلف وبها تكون عصمة الدم والمال، كما قال النبي – صلى الله عليه وسلم – : (أمرت أن أقاتل الناس حتى يقولوا لا إله إلا الله فمن قالها فقد عصم مني ماله ونفسه إلا بحقه وحسابه على الله)[3]رواه البخاري: (1399), ومسلم: (20) عن أبي هريرة – رضي الله عنه -. .

وهي الغاية التي لأجلها أرسلت الرسل وأنزلت الكتب، قال تعالى: { وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ أَنَا فَاعْبُدُونِ }[الأنبياء: 25]، وكان كل نبي يبعث يدعو قومه فيقول: { اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ } [المؤمنون: 32].

(لا إله إلا الله) هي أفضل الحسنات، كما جاء عن أبي ذر – رضي الله عنه – قال: قلت: يا رسول الله أوصني، قال: (إذا عملت سيئةً فأتبعها حسنة تمحها)، قال: قلت: يا رسول الله أمن الحسنات لا إله إلا الله؟ قال: (هي أفضل الحسنات)[4]رواه أحمد: (21487), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (690). .

من أراد أن يذكر ربه وخالقه، فلا إله إلا الله أفضل ما ذكر الله به، كما جاء عنه – صلى الله عليه وسلم – قال: (أفضل ما قلت أنا والنبيون من قبلي عَشِيَّةَ عَرَفَةَ: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ، وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) [5]رواه الطبراني في الدعاء: (874), وقال الألباني في مناسك الحج والعمرة: حديث حسن أو صحيح له طرق خرجتها في الصحيحة: (1503). .

وروي في بعض الآثار أن موسى عليه السلام قال: (يا رب علمني شيئا أذكرك وأدعوك به، فقال: يا موسى قل: لا إله إلا الله، فقال: يا رب كل عبادك يقول هذا، إنما أريد شيئا تخصني به، فقال الرب تعالى: يا موسى لو أن السماوات السبع وعامرهن غيري، والأرضين السبع وضعن في كفة ولا إله إلا الله في كفة لمالت بهن لا إله إلا الله)[6]رواه النسائي في الكبرى: (10602), والحاكم في المستدرك: (1936) وصحح إسناده؛ وضعفه الألباني في تحقيق كلمة الإخلاص: (58). .

لا إله إلا الله شأنها عظيم في الميزان والديوان لمن حققها وقام بمقتضاها، في الحديث الصحيح عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (إن الله سيخلص رجلا من أمتي على رؤوس الخلائق يوم القيامة فينشر عليه تسعةً وتسعين سجلا كل سجل مثل مد البصر، ثم يقول: أتنكر من هذا شيئا؟ أظلمك كتبتي الحافظون؟ فيقول: لا يا رب فيقول: أفلك عذر؟ قال: لا يا رب فيقول: بلى، إن لك عندنا حسنة وإنه لا ظلم عليك اليوم، فتخرج بطاقة فيها: أشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا عبده ورسوله، فيقول: احضر وزنك. فيقول: يا رب ما هذه البطاقة مع هذه السجلات؟ فيقول: إنك لا تظلم، قال: فتوضع السجلات في كفة، والبطاقة في كفة، فطاشت السجلات، وثقلت البطاقة، فلا يثقل مع اسم الله شيء) [7]رواه الترمذي: (2639), وأحمد: (6994), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (1776). .

لا إله إلا الله أعلى شعب الإيمان، كما في الحديث عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال: قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (الإيمان بضع وسبعون، أو بضع وستون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله) [8]رواه مسلم: (35). .

من أراد الحسنات، ومحو السيئات، والحفظ من الشيطان وشره؛ فعليه بهذه الكلمة؛ يرطب بها لسانه، ويكررها بين شفتيه، عن أبي هريرة – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (من قال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير في يوم مائة مرة كانت له عدل عشر رقاب وكتبت له مائة حسنة ومحيت عنه مائة سيئة وكانت له حرزا من الشيطان يومه ذلك حتى يمسي، ولم يأت أحد بأفضل مما جاء به إلا رجل عمل أكثر منه) [9]رواه البخاري: (6403), ومسلم: (2691). .

لا إله إلا الله، فيها راحة النفس، وطمأنينة القلب، وسكون الروح، هي سببٌ في تفريج الكربات وتهوين المصائب والملمات.

لما ألقي يونس بن متى عليه السلام في البحر، والتقمه الحوت، وصار في كربة وشدة، تحيط به ظلمة الليل وظلمة البحر وظلمة بطن الحوت، ظلمات بعضها فوق بعض، فتوجه إلى ربه في هذه الكربة بهذه الكلمة كلمة التوحيد، { وَذَا النُّونِ إِذْ ذَهَبَ مُغَاضِبًا فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ }[الأنبياء: 87].

وفي يوم القيامة يوم الأهوال العظام، يرغب الناس في شفاعة المصطفى – صلى الله عليه وسلم – ، فمن أسعد الناس بشفاعته؟ استمع إلى الجواب منه – صلى الله عليه وسلم – بقوله: (أسعد الناس بشفاعتي يوم القيامة من قال لا إله إلا الله خالصاً من قلبه أَوْ نَفْسِهِ)[10]رواه البخاري: (99), وفي رواية له (6570): (.. خالصا مِنْ قِبَلِ نَفْسِهِ). .

لا إله إلا الله أول ما يدعى إليه الكافر، وآخر ما يموت عليه المؤمن، لما بعث النبي – صلى الله عليه وسلم – معاذا إلى اليمن داعيا وقاضيا أوصاه فقال: (إنك تأتي قوما أهل كتاب؛ فليكن أول ما تدعوهم إليه شهادة أن لا إله إلا الله ..) [11]رواه البخاري: (7372), ومسلم: (19), واللفظ له. ، وروى معاذ – رضي الله عنه – عن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال: (من كان آخر كلامه لا إله إلا الله دخل الجنة) [12]رواه أبو داود,: (3116) واللفظ له, وأحمد: (22034), ولفظه: (قَالَ لَنَا مُعَاذٌ فِي مَرَضِهِ: قَدْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – شَيْئًا كُنْتُ أَكْتُمُكُمُوهُ؛ سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ – صلى الله عليه وسلم – يَقُولُ: ” مَنْ كَانَ آخِرُ كَلَامِهِ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ) وصححه الألباني في المشكاة: (1621), وحسن إسناده محققو المسند. .

عباد الله .. وهذه الكلمة العظيمة ليست حروفا تقال وتردد، بل هي اعتقاد وتحقيق، تقوم على ركنين ركينين هما النفي والإثبات، فـ: (لا إله) نفت الألوهية عن كل ما سوى الله، و (إلا الله) أثبتت الألوهية لله وحده لا شريك له.

ومعناها الصحيح: لا معبود بحق إلا الله، فهناك معبودات غير الله لكنها باطلة، والمعبود بحق هو الله وحده لا شريك له }ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّ مَا يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ هُوَ الْبَاطِلُ وَأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ{ [الحج: 62].

عباد الله .. وهذه الكلمة لها شروط استنبطها العلماء من النصوص، وجمعها الناظم فقال:

العـــــــــــــلمُ والـــــــيقـــــــينُ والقــــــــــــــبولُ *** والانقيـــــــاد فـــــــادر مـــــــا أقـــــــول

والصـــــــدق والإخـــــــلاص والمحبـة *** وفقــــــــــــــك الله لمــــــــــــــا أحــــــــــــــــــــبه

فمن ذلك العلم بمعناها، وما تستلزمه من عمل، لا أن يرددها دون علم بها، كما قال تعالى: { فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ }[محمد: 19] ، وفي الصحيح عن عثمان – رضي الله عنه – قال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : (من مات وهو يعلم أنه لا إله إلا الله دخل الجنة)[13]رواه مسلم: (26). .

ومن شروطها: اليقين، بأن ينطق بها المسلم عن يقين جازم يطمئن إليه قلبه، دون أدنى شك أو تردد.

قال تعالى في وصف المتقين: { وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالآخرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ } [البقرة: 4]. ووصف إيمان المؤمنين فقال: { إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا }. وعن أبي هريرة – رضي الله عنه – مرفوعا: (أشهد أن لا إله إلا الله وأني رسول الله، لا يلقى اللهَ بهما عبدٌ غيرُ شاك فيهما إلا دخل الجنة) [14]رواه مسلم: (27), وفي رواية له: (…عَبْدٌ غَيْرَ شَاكٍّ فَيُحْجَبَ عَنِ الْجَنَّةِ). , وعنه – رضي الله عنه – أن النبي – صلى الله عليه وسلم – قال له: (من لقيت من وراء هذا الحائط يشهد أن لا إله إلا الله مستيقنا بها قلبه فبشره بالجنة) [15]رواه مسلم: (31). .

بارك الله ..

الخطبة الثانية:

إن من الشروط المهمة لهذه الكلمة العظيمة: الانقياد لما دلت عليه، بأن يذعن العبد الموحد الذي يلهج لسانه بلا إله إلا الله يذعن وينقاد لأحكام الله وشرائعه لأنه التزم الله إلها ومعبودا، وصار عبدا مطيعا، قال تعالى: { فَلا وَرَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لا يَجِدُوا فِي أَنفُسِهِمْ حَرَجاً مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيماً } [النساء: 65].

فيلتزم الموحد بشرائع الإسلام من إقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وغيرها من الشرائع والأحكام.

قيل للحسن – رحمه الله – إن ناساً يقولون : (من قال: لا إله إلا الله؛ دخل الجنة) ، فقال من قال: لا إله إلا الله فأدى حقها وفرضها دخل الجنة [16]رواه ابن الشجري في أماليه: (21). .

وقيل لوهب بن منبه- رحمه الله -: (أليس لا إله إلا الله مفتاح الجنة؟ قال: بلى، ولكن ليس مفتاح إلا له أسنان فإن جئت بمفتاح له أسنان فتح لك وإلا لم يفتح لك)[17]ذكره البخاري في الجنائز – في فاتحته -: (2/71), بَاب مَا جَاءَ فِي الجَنَائِزِ، وَمَنْ كَانَ آخِرُ كَلاَمِهِ: لاَ إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ؛ وقال الحافظ في الفتح (3/132) : وقد وصله المصنف في التاريخ، وأبو نعيم في الحلية. .

وقال الحسن البصري – رحمه الله – للفرزدق – الشاعر المعروف – وهو يدفن امرأته: (ما أعددت لهذا اليوم؟ قال: شهادة أن لا إله إلا الله منذ سبعين سنة. قال الحسن: نعم العدّة، لكن لـ لا إله إلا الله شروطاً، فإياك وقذف المحصنات)[18]انظر: كتاب التوحيد لابن رجب الحنبلي: (ص39), والدين الخالص لصديق حسن خان: (1/ 157). .

فلا بد – أيها الإخوة – من العلم والقول والعمل، فبها يتم الدين ويحصل الفلاح والسعادة في الدارين.

اللهم أحينا على التوحيد الخالص وتوفنا وأنت راض عنا

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى