خطب الجمعةخطب نصية

التقوى [2]

إن الحمد لله ..  أما بعد

أيها الناس.. سبق الحديث عن موضوع التقوى، تلك الكلمة التي نسمعها كثيرا حتى ملَّ البعض من سماعها، لكنها في الدين في مقام رفيع، وما أقل من حققها نسأل الله العفو، ولما كانت أجزاءُ الموضوع كثيرةً كان لابد من تقسيمها على أكثر من خطبة، فمضى الحديث عن التقوى في الكتاب والسنة، وما المراد بالتقوى؟ وما حقيقتها؟ وفي هذه الجمعة نتحدث عن ثمارها، والتواصي بها.

أما ثمرات التقوى فهي ثمار يانعة، وقطوف دانية، لا يملك من سمعها بتعقل وتأمل إلا أن يبادر فينضوي تحت رايةِ التقوى وحزبِ المتقين.

فدعونا نستمع أيها الإخوة إلى طرف منها على سبيل المثال:

السعادة والأنس، فالتقوى طاردة للخوف والحزن، قال تعالى: }فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{[الأعراف: 35]، فمن كان يشكي هما في نفسه أو ضيقة في صدره؛ فليتق الله وليبشر.

 

ولست أرى السعادة جمع مالٍ  ***  ولكنّ التقيّ هو السعيدُ

وتقوى اللّه خيرُ الزادِ ذُخراً   ***  وعند اللّه للأتقى مزيدُ

 

قبول الأعمال. قال تعالى: (إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ) [المائدة: 27]، قال فضالة بن عبيد
[رضي الله عنه]: (لأن أعلم أن الله تقبل مني مثقال حبة، أحب إلي من الدنيا وما فيها، لأنه تعالى يقول: }إنما يتقبل الله من المتقين{)([1]) .

وقال علي بن أبي طالب [رضي الله عنه] : (لا يَقِلُّ عمل مع تقوى، وكيف يقل ما يتقبل؟)([2]) .

ودخل سائل على ابن عمر يوما فقال لابنه: (أعطه ديناراً، فأعطاه، فلما انصرف قال ابنه: تقبل الله منك يا أبتاه، فقال ابن عمر: لو علمت أن الله تقبل مني سجدة واحدة أو صدقة درهم؛ لم يكن غائبٌ أحب إلي من الموت، تدري ممن يتقبل الله؟ {إنما يتقبل الله من المتقين})([3]) .

ولهذا خاف السلف وأصابهم الوجل من هذه الآية، ذكروا أن عامر بن عبد الله بكى عند الموت فقيل له: (ما يبكيك؟ قال: آية في كتاب الله. فقيل له: أيّةُ آية؟! قال {إنما يتقبل الله من المتقين}) .

وقال عامر بن عبد قيس: (آية في القرآن أحبُّ إليّ من الدنيا جميعاً أن أُعطاه: أن يجعلني الله من المتقين، فإنه قال {إنما يتقبل الله من المتقين}).

العاقبة الحميدة لأهل التقوى. قال تعالى:}تِلْكَ ٱلدَّارُ ٱلآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لاَ يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي ٱلأرْضِ وَلاَ فَسَاداً وَٱلْعَـٰقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ{ [القصص: 83]، وأعلن الله هذا المعنى إعلانا واضحا فقال: }وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَى{[طه: 132], أي: (العاقبة الصالحة في الدنيا والآخرة لأهل التقوى).

التقوى سبب لحصول الفرج، فمن وقع في ورطة، أو أصابته كربة من الكرب فليتق الله، قال تعالى: }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا{[الطلاق: 2], قال ابن عباس رضي الله عنهما في هذه الآية: (ينجيه من كل كرب في الدنيا والآخرة). وقال عبد الله بن مسعود
[رضي الله عنه]: (إن أكثر آية في القرآن فرجًا: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجًا}([4])).

وقال الحكم بن عمرو الغفاري [رضي الله عنه]: (أقسم بالله، لو كانت السماوات والأرض رتقا على عبد، فاتقى الله، لجعل له من بينهما مخرجا)([5]).

قصَّ النبي [صلى الله عليه وسلم] علينا قصة ثلاثة آواهم المبيت إلى غار فانطبقت عليهم الصخرة فسدت عليهم المخرج، وحبسوا في الغار، ووقعوا في كربة، حتى نجاهم الله بسبب تقواهم وأعمالهم الصالحة.

التقوى باب من أبواب الرزق، قال تعالى: }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مَخْرَجًا *وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ{[الطلاق: 3] أي من حيث لا يدري ولا يؤمل.

ومن وصايا لقمان لابنه: يا بني اتخذ تقوى الله تجارة؛ يأتك الربح من غير بضاعة .

التقوى باب للفقه عن الله سبحانه وفهم آياته المقروءة في الكتاب، وآياته المنظورة في الكون والآفاق، يقول سبحانه: }الم *ذَلِكَ الْكِتَابُ لاَ رَيْبَ فِيهِ هُدًى لِّلْمُتَّقِينَ{[البقرة: 2] }واتقوا الله ويعلمكم الله{[البقرة: 282]، قال سفيان: (من عمل بما يعلم وفق لما لا يعلم).  

التقوى سبب للفلاح }وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{[البقرة: 189] والفلاح: (كلمة جامعة تعني الفوز بالمطلوب، والنجاة من المرهوب).

ومن ثمار التقوى: الفوزُ بكرامةِ الله تعالى }إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عَندَ ٱللَّهِ أَتْقَـٰكُمْ{[الحجرات: 13].

عن أبي هريرة [رضي الله عنه] قال: سئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: أي الناس أكرم؟ فقال: (أكرمهم عند الله أتقاهم)([6])، فأبو جهل وأبو لهب من أكرم الناس نسبا لكن وضعهم الكفر، وبلال عبدٌ حبشي رفعته التقوى.

خانت أبا جهل أصالتُه  ***  وبلال عبدٌ جاوز السحبا

  فمن أراد الكرم والمنزلة عند الله فعليه بالتقوى

أَلَا إنَّمَا التَّقْوَى هِيَ الْعِزُّ وَالْكَرَم  ***  وَحُبُّك لِلدُّنْيَا هُوَ الذُّلُّ وَالسَّقَم

وَلَيْسَ عَلَى عَبْدٍ تَقيٍّ نَقِيصَةٌ   ***  إذَا حَقَّقَ التَّقْوَى وَإِنْ حَاكَ أَوْ حَجَـم

   ولما باع حكيم بن حزام [رضي الله عنه] دار الندوة على معاوية بمئة ألف، قال له ابن الزبير: (بعت مكرمة قريش؟!، فقال حكيم
[رضي الله عنه]: ذهبت المكارم يا ابن أخي إلا التقوى، إني اشتريت بها دارا في الجنة، أشهدكم أني قد جعلتها لله)([7]) .

    التقوى سبب لحصول الرحمة، }وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُون{[الحجرات: 10]، وهل يتسابق الناس ويعملون ويتنافسون إلا في الحصول على رحمة الله تعالى، فمن أرادها فليتق الله.

    التقوى سبب لتيسير الأمور وسهولته، قال تعالى: }وَمَن يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَل لَّهُ مِنْ أَمْرِهِ يُسْرً{[الطلاق: 4].

    إن من الناس من يشكي تعسر أموره، فلا يتوجه لأمر إلا يجده مغلقا دونه أو متعسرا عليه، ولو فتش هذا عن نفسه لوجد أنه مقصر في تقواه لربه، لأن الله وعد من اتقاه أن يجعل له من أمره يسرا.

      بالتقوى يكون الفرقان بين الحق والباطل، وبها المعرفة والبصيرة التي تنجلي بها الأمور فلا زيغ ولا تيه، وبها النور الذي تنشرح به الصدور }يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءامَنُواْ ٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَءامِنُواْ بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَٱللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{[الحديد:28], قال تعالى: }يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إَن تَتَّقُواْ اللّهَ يَجْعَل لَّكُمْ فُرْقَانًا وَيُكَفِّرْ عَنكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{[الأنفال: 29], قال ابن كثير في هذه الآية: (من اتقى الله بفعل أوامره وترك زواجره؛ وُفِّق لمعرفة الحق من الباطل، فكان ذلك سببَ نصره ونجاته ومخرجه من أمور الدنيا، وسعادته يوم القيامة، وتكفير ذنوبه)([8]) أ.هـ.

      فحينما تلتبس الأمور وتختلط الأوراق، وفي أوقات الفتن والشدائد ينور الله قلوب المتقين بنور الإيمان والفرقان والبصيرة فيميزون الحق من الباطل، جعلنا الله منهم.

        التقوى سبب لحفظ الله وتأييده والنجاة من انتقامه، قال تعالى: }وَأَنجَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ{ [النمل: 53].

        المثوبة من الله }وَلَوْ أَنَّهُمْ ءامَنُواْ وٱتَّقَوْا لَمَثُوبَةٌ مّنْ عِندِ ٱللَّهِ خَيْرٌ لَّوْ كَانُواْ يَعْلَمُونَ{[البقرة: 103], والمثوبة هي الثواب، وثواب الله لا نظير له.

        ومن ثمار التقوى البركاتُ من السماءِ والأرض قال الله تعالى: }وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ ٱلْقُرَىٰ ءامَنُواْ وَٱتَّقَوْاْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَـٰتٍ مّنَ ٱلسَّمَاء وَٱلأرْضِ{[الأعراف: 96] فإذا أردنا المطر من السماء، والثمار والزروع والخيرات من الأرض؛ فلنتق الله.

        ومن ثمار التقوى حفظُ الذريةِ الضعافِ بعد الموتِ. قال تعالى: }وَلْيَخْشَ ٱلَّذِينَ لَوْ تَرَكُواْ مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرّيَّةً ضِعَـٰفاً خَافُواْ عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُواّ ٱللَّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً{[النساء: 9], فمن أسباب حفظ الأولاد والذرية تقوى الله.

        وفي قصة موسى مع الخضر أنهما دخلا قرية فوجدا فيها جدارا يريد أن ينقض ويسقط، فأصلحه الخضر، ثم أخبر موسى بذلك، فقال: }وأمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلَامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنْزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا{[الكهف: 82]، قال سعيد بن جبير قال ابن عباس: (حفظا بصلاح أبيهما، ولم يذكر لهما صلاح، وكان الأبَ السابع)([9]) .

        قال ابن كثير على هذه الآية: (فيه دليل على أن الرجل الصالح يحفظ في ذريته، وتشمل بركةُ عبادته لهم في الدنيا والآخرة، بشفاعته فيهم ورفعِ درجتهم إلى أعلى درجة في الجنة لتقر عينُه بهم، كما جاء في القرآن ووردت السنة به)([10]) .

        قال الشافعي: (أنفع الذخائرِ التقوى، وأضرها العدوان)([11]) .

          ومن ثمار التقوى: الظفرُ بمحبةِ اللهِ ومعيتِهِ }إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَّقِينَ{[التوبة: 4], وأي شرف وفضل أن تكون ممن يحبهم الله. }وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ مَعَ ٱلْمُتَّقِينَ{ [البقرة:194]. وهذه معية خاصة تقتضي النصرة والحفظ والتأييد.

          عن سعد بن أبي وقاص [رضي الله عنه] مرفوعا: (إن الله يحب العبد التقي الغني الخفي)([12]) .

          والْمُرَاد بِالْغِنَى في الحديث: غِنَى النَّفْس , فهَذَا هُوَ الْغِنَى الْمَحْبُوب لِقَوْلِهِ
          [صلى الله عليه وسلم]: ” وَلَكِنَّ الْغِنَى غِنَى النَّفْس…)([13])، وَأَمَّا ( الْخَفِيّ ): “فَمَعْنَاهُ الْمُنْقَطِع إِلَى الْعِبَادَة وَالِاشْتِغَال بِأُمُورِ نَفْسه”([14]).

          والمتقي أولى الناس بالنبي [صلى الله عليه وسلم] ، عن معاذ بن جبل [رضي الله
          عنه] عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: (إن أولى الناس بي المتقون من كانوا وحيث كانوا )([15]) .

            التقوى حرز من الشيطان ومنبه للمسلم للرجوع إلى جادة الصواب، قال تعالى:}إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَواْ إِذَا مَسَّهُمْ طَائِفٌ مِّنَ الشَّيْطَانِ تَذَكَّرُواْ فَإِذَا هُم مُّبْصِرُونَ{[الأعراف: 201].

            التقوى سبب رئيس في النجاة من النار، قال تعالى: }وَإِن مِّنكُمْ إِلاَّ وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَّقْضِيًّا * ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوا وَّنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا{[مريم: 71]، }وَيُنَجّى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ ٱتَّقَوْاْ بِمَفَازَتِهِمْ لاَ يَمَسُّهُمُ ٱلسُّوء وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ{[الزمر: 61]، ومن يقوى على النار وحرها؟، فمن أراد النجاة منها فليتق الله.

            التقوى سبب في دخول جنة النعيم، وسبب في التلذذ فيها بالخيرات الحسان والجنان الوارفة والأنهار الجارية والحور العين والثمار اليانعة والشراب الطيب وسائر أنواع النعيم التي لا ينغصها شيء مما ينغص متاع هذه الدنيا الفانية، قال تعالى: }مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وِظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّعُقْبَى الْكَافِرِينَ النَّارُ{[الرعد: 35]، وقال عز وجل: }لَكِنِ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ لَهُمْ غُرَفٌ مِّن فَوْقِهَا غُرَفٌ مَّبْنِيَّةٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ وَعْدَ اللَّهِ لَا يُخْلِفُ اللَّهُ الْمِيعَادَ{[الزمر: 20],}إِنَّ ٱلْمُتَّقِينَ فِى جَنَّـٰتٍ وَنَهَرٍ * فِى مَقْعَدِ صِدْقٍ عِندَ مَلِيكٍ مُّقْتَدِرِ{[القمر: 55] }تِلْكَ ٱلْجَنَّةُ ٱلَّتِى نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيّاً{[مريم: 63].

            }إنَّ لِلْمُتَّقِينَ مَفَازًا *حَدَائِقَ وَأَعْنَابًا ..{ [النبأ: 32]، عن أبي هريرة
            [رضي الله عنه] قال: سئل رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن أكثرِ ما يدخل الناسَ الجنة؟ فقال: (تقوى الله وحسنُ الخلق…)([16]).

                    بارك الله لي ولكم ..

            الخطبة الثانية:

            الحمد لله ..

            أيها المسلون.. علمنا فيما سبق منزلة التقوى وثمارها وآثارها في الدنيا والآخرة، والمطلوب بعد هذا أن نشمر من اليوم في تحقيقها ما استطعنا، كما ينبغي أن نتواصى بهذه الكلمة ونجعلها شعارا بيننا فهذه علامة خير، ولا يأنف المسلم أو يتضايق إذا قيلت له هذه الكلمة.

            خاطب ربنا بهذه الكلمةِ العظيمة أعظمَ خلقه وأشرفَ رسله محمدَ بنَ عبد الله [صلى
            الله عليه وسلم] فقال له سبحانه: }يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ{[الأحزاب: 1] وهو
            [صلى الله عليه وسلم] أتقى الأمة كما روى جابر [رضي الله عنه] قال: قال رسول الله
            [صلى الله عليه وسلم]: ( قد علمتم أني أتقاكم لله وأبرُّكم وأصدقُكم)([17]).

            حث نبي الله [صلى الله عليه وسلم] أهلَه على التقوى، فهو القائل لزوجه أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (يا عائشة، عليك بتقوى الله والرفق، فإن الرفق لم يكن في شيء قط إلا زانه، ولا نزع من شيء قط إلا شانه)([18]).

            وأوصى بها أصحابه، فعن أبي ذر [رضي الله عنه] قال: قال لي رسول الله [صلى الله
            عليه وسلم] ستة أيام: اعقل يا أبا ذر ما يقال لك، فلما كان اليوم السابع قال: (أوصيك بتقوى الله في سر أمرك وعلانيته، وإذا أسأت فأحسن، ولا تسألن أحدا شيئا وإن سقط سوطُك، ولا تقبض أمانة، ولا تقض بين اثنين)([19]) .

            وهكذا درج الصالحون من السلف والخلف في الوصية بها، والحث عليها.

            كتب عمر بن الخطاب [رضي الله عنه] إلى ابنه عبد الله: (من عمر بن الخطاب، إلى عبد الله بن عمر..

            أما بعد: فإني أوصيك بتقوى الله عز وجل، فإنه من اتقاه وقاه، ومن أقرضه جزاه، ومن شكره زاده، واجعل التقوى نصبَ عينيك، وجلاءَ قلبِك)([20]) .

            وعن عثمان بن حاضر الأزدي قال: (دخلت على ابن عباس فقلت: أوصني، فقال: نعم، عليك بتقوى الله والاستقامة، اتبع ولا تبتدع)([21]) .

            وكتب عمر بن عبد العزيز رحمه الله إلى رجل: (أوصيك بتقوى الله عز وجل التي لا يقبل غيرها، ولا يرحم إلا أهلها، ولا يثيب إلا عليها، فإن الواعظين بها كثير والعاملين بها قليل، جعلنا الله وإياك من المتقين).

            وأورد الذهبي – في السير -: (أن رجلا قال لأبي حنيفة: اتق الله، فانتفض واصفر وأطرق، وقال: جزاك الله خيرا، ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا)([22]) .

            وصدق أبو حنيفة ما أحوج الناس كل وقت إلى من يقول لهم مثل هذا.

            وصار بعض الناس اليوم يأنف سماع هذه الكلمة، ولو قيلت له يوما لدارت حماليق وجهه، وقد جاء في الحديث عن ابن مسعود
            [رضي الله عنه] عن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: (إن أبغض الكلام إلى الله أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك)([23]) .

            وقال ابن مسعود [رضي الله عنه]: (إن من كبائر الذنوب أن يقول الرجل للرجل: اتق الله، فيقول: عليك بنفسك، أنت تأمرني؟!)([24]) .

            وهذه صفة ذكرها الله تعالى للمنافق المفسد }وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ{[البقرة: 206].

             

            اللهم  ..

             

            ([1]) الحلية: (2/17).

            ([2]) المرجع السابق: (10/82).

            ([3]) الدر المنثور: (3/ 57).

            ([4]) تفسير ابن كثير: (8/ 146).

            ([5]) رواه الحاكم: (5869), وسكت عنه الذهبي في التلخيص: (5869), وانظر: السير: ( 2/475).

            ([6]) رواه البخاري: (3353), ومسلم: (2378).

            ([7]) رواه الطبراني في المعجم الكبير: ( 3/186، 187). انظر: السير: (3/50).

            ([8]) تفسير ابن كثير: (4/ 38).

            ([9]) تفسير ابن كثير: (5/ 187).

            ([10]) المرجع السابق: (5/ 186).

            ([11]) الحلية: (9/ 123).

            ([12]) رواه مسلم: (2965).

            ([13]) رواه البخاري: (6446), ومسلم: (1051). عن أبي هريرة
            [رضي الله عنه].

            ([14]) شرح النووي على مسلم: (18/100).

            ([15]) رواه أحمد: (22052). وصححه الألباني, في الصحيحة: (2497).

            ([16]) رواه الترمذي: (2004), وأحمد: (9696), وصححه الألباني في الصحيحة: (977).

            ([17]) رواه البخاري: (7367), ومسلم: (1216).

            ([18]) رواه أبو داود: (2478), وأحمد: (12689), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (7927). ورواه مسلم: (2594) بنحوه.

            ([19]) رواه أحمد: (21573), وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (2544).

            ([20]) رواه ابن عساكر في تاريخه: (44/ 356).

            ([21]) رواه الدارمي (141), وقال محققه: إسناده ضعيف لضعف زمعة.

            ([22]) السير: (6/ 400).

            ([23]) رواه البيهقي في الشعب: (621), وابن منده في التوحيد: (2/ 123), وصححه الألباني في الصحيحة: (2598).

            ([24]) رواه الدينوري في المجالسة وجواهر العلم: (2619), وصححه محققه الشيخ مشهور .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى