خطب نصية

منكرات الأفراح [2]

منكرات الأفراح 2

إن الحمد لله .. اتقوا الله .. أما بعد

عباد الله .. إن مما يسر النفسَ كثرةَ حفلاتِ الزواج مع قدومِ الصيف وقربِ الإجازة، ففي كل عرس تولدُ أسرةٌ جديدة في هذا المجتمع، ترتبط على معنى الطهر، وتلتقي على ساحة الفضيلة.

لكن هذه الحفلات شابها بعضُ المكدرات، التي كدرت صفوها وحلاوتَها، وسبق الحديثُ عن بعضها، ونكمل ما بقي إرشادا وتذكيرا لعل الله ينفعُ بذلك، ونتعاون في تنقية هذه الحفلات من تلك الشوائبِ والمكدرات، فمما يضاف إلى ما سبق:

كفران النعمة

وهذه بليةٌ محزنة، حين تُصنع الموائدُ الكبار، وتُصفُّ عليها أنواع المأكولات والمشروبات، ثم بعد فراغ المدعوين؛ يأتي عمالُ القاعة، ويجمعون هذه النعمَ والخيراتِ والطيبات، في أكياس النفايات، ثم توضع في الحاويات، اللحمُ والرز والفاكهةُ وغيرها بجوار حفائظِ الأطفال والأوساخِ والنفايات!. أهكذا تشكرُ النعم؟!

إن هذا نذيرُ شرٍّ وخطر بزوال هذه النعم، قال تعالى: {وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِنْ شَكَرْتُمْ لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ} [إبراهيم: 7], أي: إن كفرتم النعم وجحدتموها، {إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ}, وذلك بسلبها منكم، والعقابِ على كفرها.

وأخرج ابن سعد في الطبقات الكبرى([1]): أن ميمونة رضي الله عنها أبصرت حبةَ رمان في الأرض فأخذتها وقالت: “إن الله لا يحب الفساد”.

هذه حبة رمان، فكيف لو رأت أكوام الطعام؟!

والواجب أيها الإخوة أن تشكر النعم، ومن شكرها أن تقدر وتحفظ، والأمر ميسور والحمد لله، بأن بجمع باقي الطعامِ بعد الوليمة بصورة مرتبة، ثم يصرفَ إلى المحتاجينَ أو الجمعياتِ الخيرية، أو ينشرَ الطعام في البر لينتفع به الطيرُ والبهائم.

 

 

الغناء المحرم

وهذا من المنكرات التي تصاحب بعضَ حفلات الأعراس، الغناءُ الذي يصد عن ذكر الله، وعن الصلاة، ويقسي القلب، ويذهبُ نورَ الإيمان وحلاوةَ القرآن، ويهيج النفوس إلى الشهوات. جاء رجل إلى ابن عباس رضي الله عنهما يسأله عن الغناء؟ فقال له: أرأيت الحقَّ والباطل إذا جاءا يوم القيامة فأين يكون الغناء؟ فقال الرجل: يكون مع الباطل، فقال له ابن عباس: اذهب فقد أفتيت نفسك.

وسبق الحديث عنه وعن أدلة تحريمه في خطبة مستقلة.

والبعض أيها الإخوة يزيد الطين بلة؛ فيستأجر فرقةً غنائية بأموال طائلة فيهدر الأموال في معصية الرحمن، والعجب أنهم يسمونه (إحياء).

ومما جاءت به السنة: جوازُ الضرب بالدف للنساء في الأعراس، ويغنين غناء مباحا ليس فيه مجون.

والدف هو المختوم من وجه واحد، بخلاف الطبل المختوم من الوجهين جميعا.

عن عائشة أنها زفت امرأة إلى رجل من الأنصار فقال نبي الله [صلى الله عليه وسلم]: (يا عائشة ما كان معكم لهو، فإن الأنصار يعجبهم اللهو)([2]).

وعن الربيع بنت معوذ قالت: دخل علي النبي [صلى الله عليه وسلم] غداة بُنيَ عَليَّ فجلس على فراشي كمجلسك مني وجويريات يضربن بالدف يندبن من قتل من آبائهن يوم بدر حتى قالت جارية: وفينا نبي يعلم ما في غد، فقال النبي
[صلى الله عليه وسلم]: (لا تقولي هكذا وقولي ما كنت تقولين)([3]).

التصوير عند النساء

وهذه من المصائب الحادثة، تجرأ عليها بعض النساء، على حين غفلة وتساهل من الأولياء، فترى الصورَ تلتقطُ للعروس في زفتها، ومع أخواتها، ومع صديقاتها، ويصور الحفلُ بالفيديو، ولا سيما بعد انتشار التصوير وسهولته عبر الجوالات، فتؤخذ صورُ نساءِ العوائل الكريمة، وهن في أبهى حلة، وأكملِ زينة، وأجملِ صورة، وربما جرى تصويرهن وهن يرقصن ويتمايلن، ثم تتسرب الصور والمقاطع، بقصد أو بغير قصد، وتقع من الفتن والمشاكل ما لا تحمد عقباه، وقد تهدمت بيوتٌ، وتفرقت أسرٌ بسبب هذا البلاء، والتهاون مع السفهاء.

فالواجب على العقلاء من الرجال والنساء الحزمُ في هذه الأمور، وعدم التساهل، أو الرضوخ تحت الضغط والإلحاح، وأن هذه ليلةُ العمر، ودعهم يفرحون وينبسطون. فنقول: نعم .. للفرح المنضبط، ولا .. للفرح المنفلت.

خروج النساء بالزينة والعطورات مع السائق

وهذا من الأخطاء المتكررة؛ أن يذهب النساء وهن في كامل زينتهن، متعطرات متطيبات، يذهب بهن السائقُ أو يعود بهن في آخر الليل.

عن أبي موسى الأشعري [رضي الله عنه] قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: (أيما امرأة استعطرت فمرت على قوم ليجدوا من ريحها فهي زانية)([4]).

التساهل بدخول الرجال على النساء

وهذا يقع في بعض المجتمعات حيث يدخل الزوج على عروسه في محفل النساء، أو يدخل عليها في المكان المعد لذلك بحضور أخواتها وبعض قريباتها، وهذا منكر لا يجوز، ومن أسباب الفتنة والشر. وأشنع من ذلك أن يكون الحفلُ كله مختلطا الرجال مع النساء في مكان واحد.

ومن صور الخلل في هذا الباب: التساهل في دخول الخدم أو مرورِهم للخدمة، وتجهيزِ الموائد ونحو ذلك، فيمر العامل على قاعة النساء، وربما دخلها وأخذ التعليمات من القائمات على هذا العرس، وكأن هذا العامل ليس برجل، والله المستعان.

التهنئة بالرفاء والبنين.

الرفاء: الالتئام والاتفاق، قال الإمام النووي في كتاب الأذكار: “ويُكره أن يُقال له بالرفاء والبنين”([5]) أ.هـ. وعلة الكراهة كما قال أهل العلم أمران:

الأول: أن هذه العبارة لا حمد فيها ولا ثناء ولا تبريك ولا ذكر لله.

الثاني: لما فيها من الإشارة إلى بغض البنات لتخصيص البنينَ بالذكر، وهذا من شعار أهل الجاهلية.

والسنة أن يأتي المسلم بالتهنئة الشرعية، فيقول للمتزوج: “بَارَكَ الله لَكَ، وَبَارَكَ عَلَيْكَ، وَجَمَعَ بَيْنَكُمَا فِي خَيْرٍ”([6]). أو يقول: بارك الله لك، أو على الخير والبركة.

بارك الله ..

 

 

الخطبة الثانية:

أيها الإخوة .. وبعد أن طوفنا على مدى أسبوعين في أشهر مخالفات الأعراس، ومنكرات الأفراح، بقي أن نقدم العلاجَ لتصحيح الأخطاء، فمن ذلك:

تنمية الوازعِ الديني والخوفِ من الله تعالى ومن عقابه في النفوس، فهذا أعظمُ رادعٍ ومانعٍ من الوقوع في مخالفة أمره، }لئن شكرتم لَأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِنْ كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ{ [إبراهيم: 7].

تحقيق القوامةِ الحقة: }الرجال قوامون على النساء{ [النساء: 34], فالواجب عليكم أيها الرجال أن تقوموا لله تعالى بالصدع بالحق ومنع المنكر، ولا تجاملوا أو تضعفوا، لا تُرضوا الناسَ بسخط الله فيسخطِ اللهُ عليكم، ويسخطْ عليكمُ الناسَ.

اتقوا الله في رعيتكم ومولياتكن، انظروا في لباس بناتكم وزوجاتكم وأخواتكم، وفي حجابهن وسترهن، وردعهن عن الشر بالطرق الشرعية.

أيها الأحبة .. ولعلنا نكون أكثر مصارحة، فكثيرٌ مما يقع من السرف والمنكرات في حفلات الأعراس ما هو إلا بتدبير النساء؛ ولكنه بمال الرجال، والرجل مسئولٌ عن ماله، وهو راعٍ ومسؤول عن رعيته، وعليه إثم ما يقارفه أهلُه وبناتُه من منكرات ومخالفات في تلك الأعراس.

قال تعالى: }يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنَّ مِنْ أَزْوَاجِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ عَدُوًّا لَكُمْ فَاحْذَرُوهُمْ{ [التغابن: 14]، نعم أعداءَ فاحذروهم، ومن عداوة الزوجات والبنات أن يُحسِّنَّ له المنكرات، ويلححن عليه حتى يرضخ لهن، فيعودَ الوزرُ على الرجل لأنه الباذلُ المنفق؛ ولأن له القوامة على نسائه، وهذه من عداوة الأهل والأولاد للرجل. فالمرأة ناقصة عقل ودين، طبعت على الغيرة، وحب المظاهر في الغالب، فهي تريد أن يكون عرسها أو عرس ابنها أو ابنتها حديثَ المجالس، ولو كان على حساب الشريعة والدين، سوى طائفة من الخيرات الفاضلات.

التوعية والتذكير بآثار هذه الأخطاء والمخالفات وأضرارها عبر وسائل الإعلام، والتعليم، والمساجد وغيره

إيجاد القدوات في المجتمع بأفراح إسلامية نقيةٍ فيها الفرح والسرور والبهجة والحبور دون الوقوع في المعصية والمحظور، ونشر أولئك القدواتِ والإشادةُ بهم في مجالس الناس ومحافلهم، فهذا داعٍ إلى الاقتداء بهم لأن الناس جرت عادتهم أن يقلد بعضهم بعضا.

إقامة حملة إعلامية شعبية واسعة للتوعية بهذه المخالفات، والتواصي بتركها، ويراعى حسن التخطيط لهذه الحملة ، والتجديدُ في العرض، والإبداع في الطرح.

 

اللهم ..

 

([1]) (8/ 139).

([2]) رواه البخاري: (5162).

([3]) رواه البخاري: (4001).

([4]) رواه أبو داود: (4173), وأحمد: (19711). وصححه الألباني في صحيح الجامع: (2701).

([5]) الأذكار: (ص 283).

([6]) رواه أبو داود: (2130) وابن ماجه: (1905), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (4729). عن أبي هريرة  [رضي
الله عنه] أن النبي [صلى الله عليه وسلم] كان إذا رفأ الإنسان إذا تزوج قال: بارك الله لك… .

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى