خطب الجمعةخطب نصية

فضائل المدينة النبوية وآداب زيارته

إن الحمد لله ..

في هذه الأيام تحزم الحقائب ويتنقل الناس مشرقين ومغربين في الأسفار إلى مختلف الأقطار، وفي خضم هذه الأسفار نقترح وجهة للسفر يغفل عنها بعض الناس، إنها المدينة النبوية حيث مسجد رسول الله صلى لله عليه وسلم الذي تشد إليه الرحال، وتقطع لأجله المسافات الطوال، والناس في هذا الباب بين غلو وجفاء، إما جهل بفضل زيارتها وقصدها، أو ابتداع في زيارتها بأمور ما أنزل الله بها من سلطان، لذا كان من المهم تجليةُ هذا الموضوع وبيانُ آدابِ زيارة المدينة النبوية وأحكامِها.

أيها الإخوة .. قال الله تعالى {وربك يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة } [القصص: 68] , ومما اختاره الله وفضله من الأمكنة: المدينةُ النبوية فجعلها أرضا مباركة، واختارها مُهاجرَ رسولِه صلى لله عليه وسلم، ومنها نشأت الدولة الإسلامية، وشع نورُ الهداية والإيمان، اسمها المدينة كما سماها الله بذلك في أربع آيات من كتابه، وهي طيبة وطابة كما ثبت ذلك في السنة عن النبي صلى لله عليه وسلم، ويكره تسميتها بيثرب لحديث أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (أمرت بقرية تأكل القرى يقولون يثرب وهي المدينة، تنفي الناسَ كما ينفي الكير خبث الحديد) [رواه البخاري: (1871), ومسلم: (1382).] ، وَسَبَبُ كَرَاهَة تَسْمِيَتهَا (يَثْرِب) لأنه من التَّثْرِيب الَّذِي هُوَ التَّوْبِيخ وَالْمَلَامَة, وَكَانَ صلى لله عليه وسلم يُحِبّ الِاسْم الْحَسَن, وَيَكْرَه الِاسْم الْقَبِيح, وَأَمَّا تَسْمِيَتهَا فِي الْقُرْآن (يَثْرِب) فَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَة عَنْ قَوْل الْمُنَافِقِينَ وَاَلَّذِينَ فِي قُلُوبهمْ مَرَض.

 

المدينة ..أحبها النبي صلى لله عليه وسلم وأصحابه والمؤمنون على مر القرون، ولا يزال الناس يتحدثون عن الراحة والطمأنينة وانشراح الصدر التي يجدونها حين يزورون المدينة ويصلون في مسجدها.

عن أنس رضي الله عنه أن النبي صلى لله عليه وسلم كان إذا قدم من سفر فنظر إلى جدرات المدينة أوضع راحلته – يعني أسرع – وإن كان على دابة حركها من حبها [رواه البخاري: (1886).] . فهي حبيبة الحبيب أيها الأحباب.

فمن فضائل المدينة: أن فيها المسجدَ النبوي الذي هو أفضل المساجد بعد المسجد الحرام، وهو أحد المساجد الثلاثة التي تشد إليها الرحال، وفي الحديث عن أبي سعيد رضي الله عنه قال: دخلت على رسول الله صلى لله عليه وسلم في بيت بعض نسائه فقلت: يا رسول الله أي المسجدين الذي أسس على التقوى؟ قال: فأخذ كفا من حصباء فضرب به الأرض، ثم قال: هو مسجدكم هذا لمسجد المدينة [رواه مسلم: (1398).] .

وفي هذا المسجد الروضة الشريفة بين بيته ومنبره صلى لله عليه وسلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى لله عليه وسلم قال: (ما بين بيتي ومنبري روضة من رياض الجنة، ومنبري على حوضي) [رواه البخاري: (1196), ومسلم: (1391).] .

والصلاة فيه مضاعفة بألف صلاة لحديث أبي هريرة رضي الله عنه أنّ النبي صلى لله عليه وسلم قال: (صلاةٌ في مسجدي هذا أفضل من ألف صلاة فيما سواه, إلاّ المسجد الحرام) [رواه البخاري: (1190), ومسلم: (1394).] ، وهذا يشمل صلاة الفرض والنفل، إلاّ أنّ صلاةَ النافلة في البيت أفضلُ من صلاتها في مسجد رسول الله صلى لله عليه وسلم حتى ولو كانت مضاعَفة، لقوله عليه الصلاة والسلام: (صلاةُ المرء في بيتِه أفضل من صلاته في مسجدِي هذا إلاّ المكتوبة) [رواه البخاري: (1190), ومسلم: (1394). وأبو داود: (1044) واللفظ له. وصححه الألباني في صحيح الجامع: (3814). عن زيد بن ثابت رضي الله عنه .] , وأخرج ابن ماجه بإسناد صحيح عن عبد الله بن سعد قال: سألت رسول الله صلى لله عليه وسلم : أيما أفضلُ الصلاة في بيتي أو الصلاة في المسجد؟ فقال: (ألا ترى إلى بيتي ما أقربَه من المسجد، فلأن أصلّيَ في بيتي أحبّ إليّ من أن أصلّي في المسجد إلاّ أن تكون صلاةً مكتوبة) [رواه ابن ماجه: (1378), وصححه الألباني في الإرواء تحت حديث: (444).] .

 

المسجد النبوي مسجد مبارك تهفو إليه قلوب المحبين المؤمنين وتشتاق نفوسهم إلى زيارته للصلاة والذكر وتعلم العلم، عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى لله عليه وسلم يقول: (من جاء مسجدي هذا لم يأته إلا لخير يتعلمه أو يعلمه فهو بمنزلة المجاهد في سبيل الله، ومن جاء لغير ذلك فهو بمنزلة الرجل ينظر إلى متاع غيره) [رواه ابن ماجه: (227), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6184).] .

 

ومن فضائل المدينة: أنها مُهاجَرُ رسول الله صلى لله عليه وسلم، فهي مُدخلُ الصدق الذي دخله بعد خروجه من مكة، قال تعالى: {وَقُلْ رَبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَلْ لِي مِنْ لَدُنْكَ سُلْطَانًا نَصِيرً} [الإسراء: 80] ، وذهب جماعة من المفسرين من السلف والخلف إلى أن المراد بالآية هجرتُه صلى لله عليه وسلم من مكة إلى المدينة، وهو قول ابن عباس وجماعة واختاره ابن جرير وصححه ابن كثير [تفسير ابن كثير: (5/111).] , وهي أيضا مضجعُه صلى لله عليه وسلم بعد موته وفيها قبره الشريف، جاء في الحديث عن عائشة رضي الله عنها مرفوعا: (المدينة مهاجري ومضجعي، فيها بيتي، وحق على أمتي حفظ جيراني) [رواه البزار في كشف الأستار: (1180)، وأبو يعلى في معجم شيوخه: (174), وقد أخرجه أبو خيثمة وابن مقرئ كما في (فضائل المدينة) لصالح الرفاعي (ص246): من طريق الزبير بن بكار، عن أبي غسان عن مالك به. وقال المؤلف: وهذا إسناد صحيح، رجاله كلهم ثقات.] .

 

ومن فضائل المدينة: أنها حرم، ودل على ذلك أحاديث كثيرة منها:

ما رواه عبد الله بن زيد بن عاصم أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (إن إبراهيم حرم مكة ودعا لأهلها، وإني حرمت المدينة كما حرم إبراهيم مكة، وإني دعوت في صاعها ومدها بمثلي ما دعا به إبراهيم لأهل مكة) [ رواه البخاري: (2129), ومسلم: (1360).] .

وعن أبي هريرة عن النبي صلى لله عليه وسلم قال: (المدينة حرم، فمن أحدث فيها حدثا أو آوى محدثا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل منه يوم القيامة عدل ولا صرف) [ رواه مسلم: (1371).] .

ومعنى كونها حرما أنه يحرم الصيد فلا يصاد ولا ينفر، ويحرم قطع الشجر والحشيش الأخضر إلا لحاجة، ولا تحل ساقطتها – يعني اللقطة – إلا لمعرف. وحدود حرمها ما بين جبلي ثور وعير من الشمال إلى الجنوب، وما بين الحرتين من الشرق إلى الغرب.

يقول أبو هريرة رضي الله عنه: لو رأيت الظباءَ ترتع في المدينة ما ذعرتها، يعني ما أخفتها قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «مَا بَيْنَ لَابَتَيْهَا حَرَامٌ» [ رواه مسلم: (1372).] .

ويقول عبد الرحمن بن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: كان أبو سعيدٍ رضي الله عنه يجِد أحدَنا في يده الطير قد أخذَه، فيفكّه من يدِه ثمّ يرسلِه [رواه مسلم: (1374).] .

وليس في الأرض كلها حرم إلا حرمُ مكة والمدينة، ولهذا يخطئ من يسمي المسجد الأقصى: ثالث الحرمين، لأنه ليس بحرم، وإنما يقال: ثالث المسجدين.

 

ومن فضائل المدينة: أنها مأرز الإيمان، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (إنّ الإيمانَ ليأرِز إلى المدينة كما تأرز الحيّة إلى جحرها) [رواه البخاري: (1876), ومسلم: (147).] .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (إنّ الإسلامَ بدأ غريبا وسيعود غريبًا كما بدأ، وهو يأرز بين المسجِدين كما تأرز الحيّة إلى جحرها) [رواه مسلم: (146).] ، ومعنى يأرز: أي ينضم ويجتمع [شرح مسلم للنووي: (2/177). وقال بعدها: هَذَا هُوَ الْمَشْهُورُ عِنْدَ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْغَرِيبِ وَقِيلَ فِي مَعْنَاهُ غَيْرُ هَذَا مِمَّا لَا يَظْهَرُ. وعن جابر رضي الله عنه أنّ رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (ليعودَنَّ كلّ إيمان إلى المدينة كما بدأ منها، حتى يكونَ كلّ إيمانٍ بالمدينة) رواه الحاكم: (8400), وصحح سنده, وكذا الرفاعي في (الأحاديث الواردة في فضائل المدينة): (ص196-197). ] .

 

ومن فضائل المدينة: ترغيب النبي صلى لله عليه وسلم في سكنى المدينة وفضل من يموت فيه.

وفي ذلك أحاديث منها: ما رواه سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، لا يدعها أحد رغبة عنها إلا أبدل الله فيها من هو خير منه، ولا يثبت أحد على لأوائها وجهدها إلا كنت له شفيعا أو شهيدا يوم القيامة) [رواه مسلم: (1363).] .

وعن ابن عمر رضي الله عنهما أنّ النبيّ صلى لله عليه وسلم قال: (مَن استطاعَ أن يموتَ بالمدينة فليفعل, فإني أشفع لمن مات بها) [رواه الترمذي: (3917), وأحمد: (5437)، وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6015).] .

وكان عمر رضي الله عنه يقول: (اللهمَّ ارزُقني شهادةً في سبيلك, واجعَل موتي في بلدِ رسولك محمّد صلى لله عليه وسلم) [ رواه البخاري: (1890).] .

 

ومن فضائل المدينة: أنها تطرد الخبث والشر عنه

عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (يأتي على الناس زمان يدعو الرجل ابن عمه وقريبه هلم إلى الرخاء هلم إلى الرخاء، والمدينة خير لهم لو كانوا يعلمون، والذي نفسي بيده لا يخرج منهم أحدٌ رغبةً عنها إلا أخلف الله فيها خيرا منه، ألا إن المدينة كالكير تخرج الخبيث، لا تقوم الساعة حتى تنفي المدينة شرارها كما ينفي الكير خبث الحديد) [رواه مسلم: (1381).] .

 

ومن ذلك: المسيح الدجال فهي مصونة محفوظة منه، جاء عن أبي هريرة رضي الله عنه عن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (على أنقابِ المدينةِ ملائكةٌ، لا يدخلها الطاعون ولا الدّجال) [رواه البخاري: (1880), ومسلم: (1379).] .

وعن أنس بن مالك رضي الله عنه عن النبي صلى لله عليه وسلم قال: (ليس من بلد إلا سيطؤه الدجال إلا مكة والمدينة ليس من نقابها نقب – أي طريق ومدخل – إلا عليه الملائكة صافين يحرسونها ثم ترجف المدينة بأهلها ثلاث رجفات فيخرج الله كل كافر ومنافق) [رواه البخاري: (1881), ومسلم: (2943). وفي رواية وعنه عن رسول الله صلى لله عليه وسلم: (يأتي المسيحُ من قِبل المشرق همّتُه المدينة، حتى ينزل دُبُر أحُد, ثمّ تصرف الملائكة وجهَه قِبَل الشام، وهناك يهلك) أخرجه مسلم: (1380). ] .

 

ومن فضائل المدينة: حلول البركة بدعاء النبي صلى لله عليه وسلم

لما قدِم الرسول صلى لله عليه وسلم المدينةَ كانت أرض وباء وحمى، استوخمها بعض الصحابة ولم يطب لهم المقام فيها، عن عائشة قالت: قدمنا المدينة وهي وبيئة فاشتكى أبو بكر واشتكى بلال فلما رأى رسول الله صلى لله عليه وسلم شكوى أصحابه قال: اللهم حبب إلينا المدينة كما حببت مكة أو أشد، وصححها، وبارك لنا في صاعها ومدها، وحول حماها إلى الجحفة [رواه مسلم: (1376).] .

قال ابن حجر: “فعادَت المدينة أصحَّ البلاد بعد أن كانت بخلاف ذلك” [ الفتح: (10/191). عن ابن عمر مرفوعا: (رأيت كأن امرأة سوداء ثائرة الرأس خرجت من المدينة حتى قامت بمهيعة وهي الجحفة فأولت أن وباء المدينة نقل إليها), رواه البخاري: (7038). ] .

ومن بركتها ما جاء في حديث سعد رضي الله عنه قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (من تصبح كل يوم سبع تمرات عجوة لم يضره في ذلك اليوم سَمٌ ولا سحر) [رواه البخاري: (5445), ومسلم: (2047). السم بتثليث السين والفتح أفصح: الفتح (1/134). ] .

ومن بركتها أنها أمان لأهلها لا يجوز ترويعهم أو تخويفهم، عن السائب بن خلاد رضي الله عنه أن رسول الله صلى لله عليه وسلم قال: (من أخاف أهل المدينة ظلما أخافه الله، وعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين، لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفا ولا عدلا) [رواه أحمد: (16557), وصحح إسناده محققو المسند. ] .

بارك الله ..

الخطبة الثانية:

مما سبق يتبين أن زيارة المسجد النبوي سنةٌ مشروعة للمسلم، فإذا وصل المرء إلى المدينة فيشرع له زيارةُ أربعةِ معالم هي: المسجدُ النبوي ومسجدُ قباء وبقيعُ الغرقد ومقبرةُ شهداء أحد، ولا يشرع زيارة غير ذلك تعبدا كمسجد الغمامة ومسجد القبلتين ومسجد الإجابة والمساجد السبعة وغيرها من المزارات.

 

فإذا وصل الزائر إلى المسجد النبوي فيستحب له ما يأتي:-

1) أن يقدم رجله اليمنى عند دخوله ويقول الذكر المشروع عند دخول سائر المساجد وليس لدخول مسجده صلى لله عليه وسلم ذكر مخصوص.

2) ثم يصلي ركعتين فيدعو الله فيهما بما أحب من خيري الدنيا والآخرة، وإن صلاهما في الروضة الشريفة فهو أفضل لما سبق من فضلها، لكن ينتبه أنه في صلاة الجماعة الصف الأول أفضل من الصلاة في الروضة.

3) بعد الصلاة يزور قبر النبي صلى لله عليه وسلم وقبري صاحبيه أبي بكر وعمر رضي الله عنهما. فيقف تجاه قبر النبي صلى لله عليه وسلم بأدب وخفض صوت ثم يسلم عليه، عليه الصلاة والسلام قائلاً: “السلام عليك يا رسول الله ورحمة الله وبركاته” لما في سنن أبي داود بإسناد حسن عن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: “ما من أحد يسلم علي إلا رد الله على روحي حتى أرد عليه السلام” [ رواه أبو داود: (2041), وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (5679).] ، وإن قال الزائر في سلامه: السلام عليك يا نبي الله السلام عليك يا خيرة الله من خلقه، السلام عليك يا سيد المرسلين وإمام المتقين أشهد أنك قد بلغت الرسالة وأديت الأمانة ونصحت الأمة وجاهدت في الله حق جهاده؛ فلا بأس بذلك . لأن ذلك كله من أوصافه صلى لله عليه وسلم. ويصلي عليه صلى لله عليه وسلم ويدعو له لما قد تقرر في الشريعة من شرعية الجمع بين الصلاة والسلام عليه عملاً بقوله تعالى {إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمً} [الأحزاب: 56] ، ثم يسلم على أبي بكر وعمر رضي الله عنهما ويدعو لهما ويترضى عنهما.

وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا سلم على الرسول صلى لله عليه وسلم وصاحبيه لا يزيد غالباً على قوله: السلام عليك يا رسول الله ، السلام عليك يا أبا بكر ، السلام عليك يا أبتاه [ رواه ابن أبي شيبة: (11793), والبيهقي في الصغرى: (1770), وصححه الألباني في فضل الصلاة على رسول صلى لله عليه وسلم: (100).] ، ثم ينصرف. وهذه الزيارة إنما تشرع في حق الرجال خاصة أما النساء فليس لهن زيارة شيء من القبور كما ثبت عن النبي صلى لله عليه وسلم أنه لعن زوّارات القبور [رواه الترمذي: (1056), وأحمد: (8449), وصححه الألباني في المشكاة: (1770). عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه ] .

وفي رواية: “لَعَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ زَائِرَاتِ الْقُبُورِ، وَالْمُتَّخِذِينَ عَلَيْهَا الْمَسَاجِدَ وَالسُّرُجَ” [رواه أبو داود: (3236), والترمذي: (320), وحسنه الألباني في المشكاة: (740). وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا.] .

ويستحب زيارة مسجد قباء والصلاة فيه، لحديث ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى لله عليه وسلم كان يأتي مسجد قباء كل سبت ماشيا وراكبا فيصلي فيه [رواه البخاري: (1193) واللفظ له, ومسلم: (1399).] .

وعن سهل بن حنيف قال رسول الله صلى لله عليه وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء فصلى فيه صلاة كان له كأجر عمرة) [ رواه ابن ماجه: (1412), وأحمد: (15981), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (6154).] .

ويزور مقبرة البقيع لعموم الأحاديث في مشروعية ذلك ولحديث عائشة قالت: كان رسول الله صلى لله عليه وسلم كلما كان ليلتها من رسول الله صلى لله عليه وسلم يخرج من آخر الليل إلى البقيع، فيقول: السلام عليكم دار قوم مؤمنين، وأتاكم ما توعدون، غدا مؤجلون، وإنا إن شاء الله بكم لاحقون، اللهم اغفر لأهل بقيع الغرقد [ رواه مسلم: (974).] .

 

وينبغي الحذر والتحذير من بعض الأخطاء والبدع التي تحصل من بعض المسلمين هناك، فمن ذلك:

1. اعتقاد بعضهم أن زيارة المسجد النبوي الشريف لها علاقة بالحج، أو أنها من مكملاته أو من جملة مناسكه. وهذا خطأ واضح، لأن زيارة المسجد النبوي ليس لها وقت محدد من السنة، ولا ارتباط لها بالحج أصلا. فمن حج ولم يزر المسجد النبوي فحجه تام وصحيح، ويروي بعضهم حديثا ينسب للنبي صلى لله عليه وسلم أنه قال: (من حج ولم يزرني فقد جفاني)، وهو كذب موضوع [قال الألباني في الضعيفة (45): موضوع. وكذا: حديث “مَن زارني بعد مَمَاتي فكأنَّمَا زارَني في حياتي”، وحديث “مَن زارني وزارَ أبي إبراهيم في عامٍ واحد ضَمِنْتُ له على الله الجَنَّةَ”، وحديث “مَن زار قَبري وَجَبتْ له شفاعَتِي”. فهذه الأحاديثُ وأشباهُها لا تقوم بها حُجَّةٌ؛ لأنَّها موضوعةٌ أو ضعيفةٌ جدًّا كما نَبَّه على ذلك الحفاظُ كالدارقطني والعُقيلي والبيهقي وابن تيمية وابن حجر رحمهم الله تعالى. انظر: فضل المدينة وآداب سكناها وزيارتها (48). ] .

2. اعتقاد البعض أنه لا بد من الصلاة في المسجد النبوي عددا محددا كخمس صلوات أو أربعين صلاة، وهذا لا أصل له.

3. تقصد البعض الدعاء عند القبر واعتقاد أنه أقرب للإجابة وهذه بدعة منتشرة، وأشنع منها دعاء النبي صلى لله عليه وسلم في تحقيق بعض الحاجات وهذا شرك بالله والعياذ بالله.

4. استقبال القبر عند الدعاء، وهذا خطأ شائع فإن القبر يستقبل عند السلام، أما الدعاء فيستقبل المسلم القبلة.

5. لا يجوز التمسح بالحجرة أو تقبيلها أو الطواف بها، لأن ذلك لم ينقل عن السلف الصالح بل هو بدعة منكرة.

6. رفع الأصوات وشدة الزحام واللغط عند قبره صلى لله عليه وسلم وهذا من سوء الأدب، قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ * إِنَّ الَّذِينَ يَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَى لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ}[الحجرات: 3].

اللهم أقر أعيننا برؤية نبينا صلى لله عليه وسلم واسقنا من حوضه شربة لا نظمأ بعدها أبدا، وارزقنا اتباع هديه والتزام سنته، واجعلنا من المتمسكين بها الداعين إليها على بصيرة، وتوفنا على ذلك وأنت راض عنا ..

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى