خطب الجمعةخطب صوتيةخطب نصيةصوتيات

أخطاء ومخالفات في الصلاة [2]

 

إن الحمد لله .. اتقوا الله ..

فقد سبق الحديث عن أخطاء منتشرة عند كثير من المسلمين في صلاتهم التي هي من آكد عباداتهم، وأهم شعائرهم، وجرى التنبيه على تسع ملحوظاتٍ تمس الحاجة إلى بيانها والتنبيهُ عليها، ونصل الحديثَ اليوم بما سبق، فمن جملة الأخطاء والملحوظات:

عدم تسوية الصفوف

وهذا مظهر مصغر من مظاهر اختلاف الأمة، وأمره رفيع في الشريعة، وتكاثرت فيه الأحاديث حتى عده بعض أهل العلم من المتواتر.

عن أنس [رضي الله عنه] أن النبي [صلى الله عليه وسلم] قال: (سووا صفوفكم فإن تسوية الصفوف من إقامة الصلاة)([1]).

وفي البخاري عنه [رضي الله عنه] قال: أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول الله [صلى الله عليه
وسلم] بوجهه فقال: “أقيموا صفوفكم وتراصوا فإني أراكم من وراء ظهري”([2]).

وعن أبي مسعود [رضي الله عنه] قال: كان رسول الله [صلى الله عليه وسلم] يمسح مناكبنا في الصلاة ويقول: (استووا ولا تختلفوا فتختلف قلوبكم، ليلني منكم أولو الأحلام والنهي، ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم) قَالَ أَبُو مَسْعُودٍ: «فَأَنْتُمُ الْيَوْمَ أَشَدُّ اخْتِلَافًا»([3]). فاختلاف المسلمين في صفوفهم بالتقدم والتأخر سبب لاختلاف قلوبهم.

وعن أنس [رضي الله عنه] قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: (رصوا صفوفكم وقاربوا بينها، وحاذوا بالأعناق، فو الذي نفسي بيده إني لأرى الشيطان يدخل من خلل الصف كأنها الحَذَف)([4]). (الحذف: صغار الغنم)

وليعلم أن تسوية الصفوف قسمان: تسوية واجبة وتسوية كمال.

فالواجبة: هي تسوية المحاذاة، بحيث لا يتقدمُ أحد على أحد، ويعتبر ذلك بالمناكب والأكعب، ووجه الوجوب: الأمر به والوعيد على تركه فيما سبق، وفيما رواه النعمان بن بشير
[رضي الله عنه] قال: كان رسول الله
[صلى الله عليه وسلم] يسوي صفوفنا حتى كأنما يسوي بها القداح – يعني السهام – حتى رأى أنا قد عقلنا عنه، ثم خرج يومًا فقام حتى كاد يكبر، فرأى رجلاً باديًا صدره من الصف، فقال: (عباد الله، لتسون صفوفكم أو ليخالفن الله بين وجوهكم)([5]).

وتشمل هذه التسويةُ الصفَّ مطلقًا سواءً كان خلف الإمام أو مع الإمام.

فلو صلى إمام ومأموم فيكونان متحاذيين، ولا يتقدمُ الإمام عليه ولو يسيرًا كما يفعله البعض لتمييز الإمام عن المأموم.

وأما القسم الثاني من تسوية الصفوف: تسوية الكمال، فتشمل صورًا منها:

‌أ- التراص في الصف: والمراد ألا يَدَعوا فُرجًا للشيطان وليس التزاحم.

ومما يحقق التراص: إلزاق المنكب بالمنكب، والقدم بالقدم، كما قال أنس [رضي الله
عنه]: (وكان أحدنا يلزق منكبه بمنكب صاحبه، وقدمه بقدمه)([6]).

‌ب- إكمال الصف الأول فالأول.

عن جابر بن سمرة [رضي الله عنه] قال: خرج علينا رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فقال: (ألا تصفون كما تصف الملائكة عند ربها؟ فقلنا: يا رسول الله، وكيف تصف الملائكة عند ربها؟ قال: يتمون الصفوف الأول، ويتراصون في الصف)([7]).

فمن الملاحظ عدم التراص بين المصلين أحيانا، أو البدء بالصف قبل اكتمال الذي قبله، وهذا يحدث في المساجد الكبيرة، أو التهاون في سد الفراغات والفرج التي تكون في الصف ويزهد بعض الناس في هذا زهدا عجيبا، وفي الحديث عن ابن عمر أن رسول الله
[صلى الله عليه وسلم] قال: (أقيموا الصفوف، وحاذوا بين المناكبِ، وسُدّوا الخَلَلَ، ولِينُوا بأيدي إخوانكمِ، ولا تَذَرُوا فُرُجات للشيطان، ومن وصل صفّاً وصله الله، ومن قطع صفّا قطعه الله)([8])، وإذا جاء رجل إلى الصف، فأراد أن يدخل فيه؛ فينبغي أن يُلِينَ له كلُّ رجل مَنْكِبَيْه، حتى يدخلَ في الصف، وهذا معنى قوله
[صلى الله عليه وسلم]: (لِينُوا بأيدي إخوانكم).

‌ج- التقارب بين الصفوف، وفيما بينها وبين الإمام. لحديث أنس [رضي الله
عنه] السابق، وفيه: (رصوا صفوفكم، وقاربوا بينها ..)([9]). فلا تكون المسافة متباعدة بين الصفوف، وحد القرب: (أن يكون بين الصفين مقدارَ ما يسعُ للسجود وزيادةٍ يسيرة)([10]).

‌د- الدنو من الإمام.

‌ه- تفضيل يمين الصف على شماله

‌و- تأخير صفوف النساء عن الرجال.

فاعتنوا – عباد الله – بتسوية الصفوف، فإنها من أسباب اجتماع القلوب وعدم اختلافها، وقد فرط فئامٌ من المسلمين في هذا الأمر وتهاونوا فيه، وقد عقد الإمام البخاري في صحيحه بابا فقال: (باب إثم من لم يتمَّ الصفوف)، وساق فيه أثرا عن أنس بن مالك
[رضي الله عنه] أنه قدم المدينة فقيل له: ما أنكرت منا منذ يوم عهدت رسول الله
[صلى الله عليه وسلم]؟ قال: (ما أنكرت شيئا إلا أنكم لا تقيمون الصفوف)([11]).  

رفع الصوت بالقراءة والذكر

 وهذا يقع من بعض المصلين أن يرفع صوته بالقراءة أو ببعض أذكار الصلاة مما يسبب تشويشا لمن بجواره وتلبيسا عليه في صلاته، وجاء في الحديث عن أبي سعيد
[رضي الله عنه] قال: اعتكف رسول الله
[صلى الله عليه وسلم] في المسجد فسمعهم يجهرون بالقراءة فكشف الستر، وقال: ألا إن كلكم مناج ربه فلا يؤذين بعضكم بعضا، ولا يرفعْ بعضكم على بعض في القراءة أو قال في الصلاة)([12]).

وعن رجل من بني بياضة عن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] قال: (إذا كان أحدكم في صلاة فإنه يناجي ربه، فلينظر أحدكم ما يقول في صلاته، ولا ترفعوا أصواتكم فتؤذوا المؤمنين)([13]).

والمصلي لا يخلو إما أن يكون إماما أو مأموما أو منفردا، فإن كان إماما فإنه يجهر بالقراءة والتكبير، وإن كان مأموما فلا يجهر باتفاق المسلمين لما سبق، وإن كان منفردا وليس حوله أحد يشوش عليه من مصل أو ذاكر أو نائم فهو مخير بين الجهر والإسرار، فيفعل ما هو الأخشع لقلبه، لحديث عبد الله بن أبي قيس قال: سألت عائشة رضي الله عنها: كيف كانت قراءة النبي
[صلى الله عليه وسلم] بالليل أكان يسر بالقراءة أم يجهر؟ فقالت: (كل ذلك قد كان يفعل، ربما أسر بالقرآن وربما جهر، فقلت: الحمد لله الذي جعل في الأمر سعة)([14]).

نقر الصلاة وعدم الطمأنينة فيه

عن أبي قتادة [رضي الله عنه] قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: (أسوأ الناس سرقةً الذي يسرق من صلاته) قالوا: يا رسول الله كيف يسرق من صلاته؟ قال: (لا يتم ركوعها ولا سجودها، أو قال: لا يقيم صلبه في الركوع والسجود)([15]).

وعن علي بن شيبان [رضي الله عنه] قال: خرجنا حتى قدمنا على رسول الله [صلى الله عليه وسلم] فبايعناه وصلينا خلفه، فلمح بمؤخر عينه رجلا لا يقيم صلاته – يعني صلبه في الركوع -، فلما قضى النبي
[صلى الله عليه وسلم] صلاته، قال: (يا معشر المسلمين لا صلاة لمن لا يقيم صلبه في الركوع والسجود)([16]).

وعن أبي عبد الله الأشعري [رضي الله عنه] أن رسول الله [صلى الله عليه وسلم] رأى رجلا لا يتم ركوعه وينقر في سجوده وهو يصلي فقال رسول الله
[صلى الله عليه وسلم]: (لو مات هذا على حاله هذه؛ مات على غير ملة محمد [صلى الله
عليه وسلم]) ثم قال رسول الله [صلى الله عليه وسلم]: (مثل الذي لا يتم ركوعه، وينقر في سجوده مثل الجائع يأكل التمرة والتمرتين لا تغنيان عنه شيئا)([17])، وصلى رجل ولم يطمئن في صلاته فقال له النبي
[صلى الله عليه وسلم]: (ارجع فصل فإنك لم تصل)([18])، ورده ثلاث مرات حتى علمه الصلاة بالطمأنينة.

فالواجب الطمأنينة في الصلاة، وعدم نقرها نقرا كما يفعل بعض المصلين، فالطمأنينة ركن من أركان الصلاة لا تصح إلا به.

الالتفات في الصلاة

والالتفات نوعان: التفات معنوي بالقلب، وهو ما يرد من الوساوس والخواطر. والتفات حسي، وهو المراد هنا، وله صور:

1- الالتفات بالرأس يمينًا وشمالاً. فهذا يكره بالاتفاق. وورد فيه أحاديث منها:

عن عائشة رضي الله عنها قالت: سألت رسول الله [صلى الله عليه وسلم] عن الالتفات في الصلاة؟ فقال: (هو اختلاس يختلسه الشيطان من صلاة العبد)([19])،  وفي الحديث عنه
[صلى الله عليه وسلم] قال: (إن الله تعالى أمر يحيى بن زكريا بخمس كلمات – فذكر منها:- وإن الله أمركم بالصلاة فإذا صليتم فلا تلتفتوا، فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في صلاته ما لم يلتفت..)([20]).

والكراهة ترتفع بالحاجة فإذا احتاج إلى الالتفات في صلاته فلا بأس، كما لو كانت المرأة تصلي وحولها صبيُّها واحتاجت أن تنظر إليه  فلا بأس، لأن هذا حاجةٌ وهو عمل يسير.

2- الالتفات بالصدر أو البدن، فهذا يكره، ما دام مستقبل القبلة، وهو أشد مما قبله. فإن استدار بجملته يعني بجسمه كله، أو استدبر القبلة في غير شدة خوف بطلت صلاته.

بارك الله ..

الخطبة الثانية

كثرة العبث والحركة

وهذه ظاهرة ملحوظة في صلاة كثير من المسلمين من كثرة العبث والحركة، كتعديل اللباس وفرقعة الأصابع وتنظيف الأنف، وتفقد ما في الجيب، وتحريك الساعة والنظر إليها ونحو ذلك، والمشروع للمصلي السكونُ والطمأنينةُ والإقبالُ على صلاته، والخشوعُ في قلبه وجوارحه، ورأى حذيفة
[رضي الله عنه] مصلياً يعبث في صلاته فقال: (لو خشع قلب هذا لخشعت جوارحه)([21]).

ونظر الحسن إلى رجل يعبث بالحصا وهو يقول: (اللَّهم زوّجني الحور العين، فقال: بئس الخاطب أنت! تخطب وأنت تعبث؟).

وقال ثابت البناني: كنت أمر بابن الزبير وهو يصلي خلف المقام كأنه خشبة منصوبة، لا يتحرك. وعن يحيى بن وثاب أن ابن الزبير كان إذا سجد وقعت العصافير على ظهره تصعد وتنزل، لا تراه إلا جذْم حائط.

وقال يحيى بن معين: كان المعلى بن منصور الرازي يوماً يصلي، فوقع على رأسه كور الزنابير، فما التفت ولا انفتل حتى أتم صلاته، فنظروا فإذا رأسه قد صار هكذا؛ من شدة الانتفاخ.

فإن كانت الحركةُ كثيرةً متوالية لغير ضرورة بطلت الصلاة، وهذا ضابط بطلان الصلاة بالحركات أن تكون الحركة كثيرة متوالية غير مفرقة لغير ضرورة، ومن حدها بثلاث حركات فلا دليل عليه. فإن كانت الحركة يسيرة لحاجة فلا بأس كما حمل النبي
[صلى الله عليه وسلم] حفيدته أمامة بنت ابنته في الصلاة فإذا قام حملها وإذا سجد وضعها ([22])، وكما فتح
[صلى الله عليه وسلم] الباب لعائشة وهو يصلي، ومن الصور المتكررة اليوم رنين الهاتف الجوال في الصلاة فإن البعض يتركه حرجا من الحركة، والأولى أن يسكته لأن تركه يُشغلُ صاحبه ومن في المسجد، وإسكاتُه حركةٌ يسيرة لحاجة.

تغميض العينين في الصلاة

وهو مكروه لأنه خلاف ما كان عليه النبي [صلى الله عليه وسلم] إلا ما كان لسبب فلا بأس كأن يكون أمامه ما يشغله في صلاته كأن يكون في مكان عام يمر حوله الناس أو يكون في قبلته زخارفُ وأشكالٌ وألوانٌ تصرف بصره وتشغل فكره، قال ابن القيم: “ولم يكن من هديه
[صلى الله عليه وسلم] تغميض عينيه في الصلاة.. وقد اختلف العلماء في كراهته.. والصواب أن يقال: إن كان تفتيح العين لا يخل بالخشوع فهو أفضل، وإن كان يحول بينه وبين الخشوع لما في قبلته من الزخرفة والتزويق أو غيره مما يشوش عليه قلبه، فهنالك لا يكره التغميض قطعا، والقول باستحبابه في هذا الحال أقرب إلى أصول الشرع ومقاصده من القول بالكراهة”([23]).

اللهم ..

([1]) رواه البخاري: (723), ومسلم: (433), ولفظه: (فَإِنَّ تَسْوِيَةَ الصَّفِّ، مِنْ تَمَامِ الصَّلَاةِ).

([2]) رواه البخاري: (719).

([3]) رواه مسلم: (432).

([4]) رواه أبو داود: (667), وأحمد: (13735), وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

([5]) رواه البخاري: (717), ومسلم: (436) واللفظ له.

([6]) رواه البخاري: (725).

([7]) رواه مسلم: (430).

([8]) رواه أبو داود: (666), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (1187).

([9]) سبق تخريجه.

([10]) الممتع: (3/14).

([11]) رواه البخاري: (724).

([12]) رواه أبو داود: (1332), وأحمد: (11896), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (2639).

([13]) رواه ابن أبي الجعد في مسنده: (1575), وصححه الألباني في صحيح الجامع: (752). وانظر: الصحيحة (1575).

([14]) رواه الترمذي: (2924) واللفظ له، وأبو داود: (1437) وصححه الألباني في صحيح أبي داود.

([15]) رواه أحمد: (22642), وصححه الألباني لغيره في صحيح الترغيب والترهيب: (1/ 345).

([16]) رواه ابن ماجة: (871), وأحمد: (16297). وصححه الألباني في صحيح الجامع: (7978).

([17]) رواه الطبراني في الكبير: (3840), وحسنه الألباني في صحيح الجامع: (5492).

([18]) رواه البخاري: (757), ومسلم: (397) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ
[رضي الله عنه] .

([19]) رواه البخاري: (751).

([20]) رواه الترمذي: (2863), وأحمد: (17170), عن الحَارِثَ الأَشْعَرِيَّ  [رضي
الله عنه] .

([21]) رواه ابن المبارك في الزهد (ص: 419)، وعبدالرزاق: (2/ 266), (3308)، وابن أبي شيبة: (2/ 289) (6854)، والبيهقي معلقاً: (2/ 285), (3365). والحديث روي مرفوعاً, حيث رواه الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (3/ 210) من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. قال العراقي في المغني: (1/ 105): سنده ضعيف، والمعروف أنه من قول سعيد بن المسيب. وقال الألباني في السلسلة الضعيفة: (110): الحديث موضوع مرفوعا، ضعيف موقوفا بل مقطوعا، ثم وجدت للموقوف طريقا آخر؛ فقال أحمد في مسائل ابنه صالح: (ص: 83): حدثنا سعيد بن خثيم قال حدثنا محمد بن خالد عن سعيد بن جبير قال: نظر سعيد إلى رجل وهو قائم يصلي … إلخ. قلت: وهذا إسناد جيد، يشهد لما تقدم عن العراقي أن الحديث معروف عن ابن المسيب. اهـ.

([22]) رواه البخاري: (516), ومسلم: (543).

([23]) زاد المعاد (1/293).

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى